سلامة مراد وثنائيات الأفكار والألوان
ملده شويكاني
“ويستمر العشق” جملة يكرّرها الفنان التشكيلي سلامة مراد بمنشوراته في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ذاتها التي عنون بها معرضه الذي أقيم في المركز الثقافي العربي بـ”أبو رمانة”، ويرمي من خلالها إلى استمرار العشق بين الأشخاص والأمكنة والأزمنة، وبتحديد أضيق بينه وبين لوحته وألوانه وقلم الرصاص والسكين.
الأنثى وحبات العنب
الجميل أنه استمد من أحد أبيات نزار قباني في عشق الأنثى:
أيتها الأنثى التي في صوتها / تمتزج الفضة بالنبيذ بالأمطار
إذ جسد الصورة البيانية في إحدى لوحاته التي اعتمد فيها على التشخيص برسم تفاصيل الجسد الأنثوي، مظهراً حبات العنب بالكأس الصغيرة كناية عن سحر الأنثى الطاغي ليس جمالياً فقط، وإنما اجتماعياً وعاطفياً برمزيتها إلى الوطن والوفاء والاحتواء والملاذ الآمن، لترتبط هذه السمة البارزة في لوحاته مع روح المدينة.
التراث والأصالة
كما وظّف مفردات التراث بومضات وجدانية مثل المصباح وغصن الشجرة العاري النافذ من الستارة، وفي أخرى دلة القهوة والفنجان والجرار، مستحضراً رمز الأصالة العربية برسم الفرس، ودامجاً بين أسلوبه التعبيري بجزء من السريالية في لوحة الفيل، ومعتمداً على التقطيع باستخدام تقنية جزء من كل برسم اليد وجزء من الساق.
ثنائيات
ثمّة خيط رفيع يربط بين كل لوحتين، يستشفّ المتلقي منها أن الفنان اعتمد على الثنائيات لإكمال الفكرة في عدد كبير من اللوحات، مثل لوحتي غضب البحر التي عبّر من خلالهما عن الدمار الذي خلّفته الحرب، لكنه أشار إلى وميض الأمل بغد أفضل من خلال دلالات اللون الأخضر.
ووفق مبدأ الثنائيات واللون الأخضر، جسّد مشهداً طولياً للبيوت المتلاصقة في منطقة العشوائيات، وقد أسبغ عليها اللون الأخضر برمزية إلى تجدد الفكر والاستمرارية رغم الاختلاف والفوضى والفقر، أما ثنائية بورتريه الأنثى مغمضة العين بتفاصيل ضبابية على خلفية باللون الأزرق، تكتمل بالبورتريه ذاته والخلفية الزرقاء ذاتها برمزية وجود جسر على امتداد اللوحة، وتوخى عدم التركيز على واقعية الملامح وإظهار مكونات خلفية تشير إلى نبض الذاكرة.
الأنثى البداية والنهاية
الزمن كان حاضراً في لوحاته بدءاً من التفاحة وآدم وحواء وبداية الخليقة إلى حبات النرد التي يرميها الزمن ليتحكم الإنسان بأرقامها، ليكمل الفكرة بلوحة الشكل الحلزوني ودوامة الحياة ونظرية الوجود المستمرة التي لا نعرف متى نهايتها، مركّزاً على البيت الصغير الذي تعلوه الأشجار الخضراء، وحضور الأنثى التي تحتوي الرجل والأسرة وتمارس دورها بالمجتمع في زاوية من اللوحة.
الحالة الأسرية
وخلال التجول بالمعرض، توقفتُ معه عند لوحة الفيل التي دمج فيها بين أسلوبه التعبيري وشيء من السريالية كما ذكر، وبيّن أن الفيل يشكّل حالة خاصة بين الكائنات الحية، فبالإضافة إلى شكله الضخم يرمز إلى الارتباط العائلي، إذ إنه يتزوج من أنثى واحدة، ويهتم بصغاره ويرتبط بأجداده بالمرجعية، فجسد هذه الفكرة برمزية الفيل ومجموعة تكوينات البيوت المتلاصقة على ظهره، وفي نهاية الخرطوم جذع شجرة غير مورق.
رمزية الحرب
أما عن توظيفه التراث ورموز الأصالة، فيقول: “التراث عنصر مهم من عناصر الحياة، ينتقل من جيل إلى آخر، فدلة القهوة المعتقة دلالة على الكرم والأصالة، والفرس يومئ بالعزّ والأصالة والقوة والفخر، وأنا وظّفته ضمن رمزية الحرب، بالربط بين الفرس والبيوت الصغيرة البادية لنصل إلى الأنثى مع شعر الفرس، تعبيراً عن التناقض بين الهيجان والهدوء، وعن استخدامه تقنية الجزء من الكل فهي محاولة للنهوض.
الحبال والزمن
اللوحة الملفتة كانت وجود الحبال الملتفة في وسط اللوحة على خلفية اللون الباهت الشفاف، وإظهار تشققات الزمن على الجدار، ويعلل هذا بأنّ الحبل قيد ارتبط بالحياة وبالإنسان من الوجه الإيجابي مثل حياة البحار، ونستحضر صورة دلو الماء وغيرها من الصور لنصل إلى أن الإنسان لابد من أن يكون مقيداً بقيود إيجابية تفرضها الحياة.
بانوراما منظر طبيعي
الجميل أيضاً في المعرض هو رسم بانوراما منظر طبيعي لجدول تنتشر الأشجار الخضراء على ضفتيه برسمه من زوايا مختلفة بدرجة واحدة من الظل والضوء، إذ رسم مراد عشرة أعمال بحجم ورق الإيفور، بألوان الإكليريك من دون تمديد بتقنية صبّ لوني معالج بالسكين والفرشاة، يقول: “أستخدم بكل اللوحات ألوان الإكليريك التي تمدد بالماء باستثناء بانوراما المنظر الطبيعي، وأشتغل بالسكين”.
وعلى الرغم من أن سطح اللوحة سويّ وأملس، لكنه لا يخلو من بعض الكثافات اللونية في مواضع من اللوحة، بالإضافة إلى التدرجات اللونية وفق خبرته بالتعامل مع اللون.
اللون الأزرق والفراعنة
ولم تكن الثنائية فقط بالفكرة المشتركة، إذ طغى اللون الأحمر وكذلك الأزرق على كثير من اللوحات، يوضح: “اللون الأحمر من الألوان الحارة، ويدل على الحب والغضب الفرح، بينما الأزرق من الألوان الباردة، ويدل على الطمأنينة والهدوء، ويعود تاريخ استخدامه إلى غابر الأزمنة، إذ يشاع أن الفراعنة استخدموه، كذلك الآشوريون والآكاديون، ويعد بالعلم الحديث من الألوان غير الماصة للأشعة لذلك آمن به القدامى بأنه يحمي من الحسد.