ثقافةصحيفة البعث

بـ”بساطة وعفوية”..

نجوى صليبه

نقرأ كلمة “بساطة” في النّهار القصير عشرات المرّات عبر وسائل التّواصل الاجتماعي، كذلك نسمعها عشرات المرّات خلال نشرات الأخبار الفنّية اليومية أو الأسبوعية، وفي كلّ مرّة يقصد منها التّسويق اللطيف لممثّلة أو مغنيّة وهي تحتضن كلبها المدلل أو قطّتها المغناج، أو تلاعب أمواج البحر بلباسها الخاص، أو وهي تتناول الغداء مع شقيقاتها وأبنائهن في مطعم فخم، بكامل أناقتها وبهرجتها وكما يقال “فول ميك آب وعلى آخر طرز”، ثمّ يرفق النّاشر صورته ومعدّ البرنامج خبره بعبارة “ببساطة وعفوية.. الفنّانة كذا…”، فأين البساطة في الموضوع لا أعرف؟!.

حدّثت نفسي وقلت لربّما هناك معنى آخر للكلمة، ولسبب أجهله غاب عن ذهني، ولم أكذّب نجواي، بل توجّهت إلى معجم اللغة وبحثت عنها، ووجدت ضالتي، وقرأت “بساطة” اسم مصدره بَسُطَ، وأجاب بِبَساطَةٍ أي بِعَفَوِيَّةٍ وبِسَذَاجَةٍ، وبساطة الوجه طلاقته، وبساطة خلقية سلاسة الطّبع، وبساطة الأسلوب سهولته ووضوحه، وبكلّ بساطة أي بكلّ وضوح، وببساطة بسلامة نيّة وصدق من دون خبث أو مكر، أمّا الفعل فهو بسط، وبسط الأمور أمامه عَرَضَها وَكَشَفَ عَنْها، أمّا بَسَطَ يَدَه أو ذراعَهُ ففَرَشَها، وبَسَطَ كَفَّه أي نَشَرَ أْصَابِعَها، بَسَّطَ الشَّيءَ نَشَرَهُ، وبُسُط جمع بِسَاط وانْبَسَطَ فرح وتأتي أيضاً بمعنى ترك الاحتشامَ، وتَبَسَّطَ فِي الأَرْضِ أي سَارَ فِيهَا طُولاً وَعَرْضاً، وعلى ما يبدو فإنّ فنّانات كثيرات لا يعرفن من الكلمة سوى الجزء الأخير.

أمّا أنا فقد عرفت لماذا لا تمرّ هذه الكلمة من أمامي مرور الكرام كلّما نظرت إلى “بسط جسد غير محتشم على بساط طولاً وعرضاً”، ولكي لا تغار كلمة “عفوية” أعيد ما ورد في معجم اللغة، عافى يعافي، عافِ، مصدر مُعَافَاةٌ، عِفَاءٌ، عَافِيَةٌ، فهو مُعافٍ، والمفعول مُعافىً، وعَفَوِيَّةُ عَمَلٍ أي تِلْقَائِيَّتُهُ، أي ما نقوم به بدافع ذاتيّ من دون تأثير خارجيّ، غير مكتسب بالتَّعلي، لكنّها ترد أيضاً بمعنى عمل الشيء من غير تصنّع أو إجهاد فكر، أمّا التّصنّع فموجود في معظم الصّور إن لم نقل جميعها، ولاسيّما أنّها التقطت بعدسة كاميرا احترافية، وأمّا “من غير إجهاد الفكر” فهذا السّائد وللأسف الشّديد.

ولكي أحيط الموضوع من كلّ جوانبه، أكملت بحثي في الشّابكة، وفتحت الكثير من الرّوابط التي ورد في عنوانها كلمة “بساطة”، وإذ بالبحر البسيط يعيدني إلى مقاعد الدّراسة، عندما كنت أحفظ بحور الشّعر وأشرحها لصديقتي، وأقرأ: سُمِّيَ الْبَسِيْط بهذا الاسم لانبساط أسبابه، أي تواليها في مستهل تفعيلاته السباعية، أما وزنه فهو:

مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلُنْ / مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلُنْ

وأمّا مفتاحه فهو:

إِنَّ الْبَسِيْط لَدَيهِ يُبْسَطُ الأَملُ/ مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُن

وقرأت أيضاً معلومات مهمّة ووصفات غنيّة حول كيفية تحضير بعض الوجبات و”الطّبخات” بكلّ بساطة، وقابلت “بسيط” الشّخصية الكرتونية التي أضحكتنا في عمر الطّفولة، وما يزال يحتفظ بتأثيره علينا حتّى اليوم.. ومرّ الوقت وأنا أحضر الحلقة تلو الأخرى ونسيت ما كنت أبحث عنه بـ “كلّ بساطة وعفوية”.