ثقافةصحيفة البعث

نضال الأشقر: المسرح هو الحقيقة

أمينة عباس

اختارت الهيئة العربية للمسرح الفنانة المسرحية اللبنانية نضال الأشقر لتكون صاحبة رسالة اليوم العربي للمسرح للعام 2024، والتي ستلقيها مساء اليوم في افتتاح الدورة 14 من مهرجان المسرح العربي في بغداد، لتنضمّ إلى أسماء وقامات مسرحية كبيرة كتبت الرسالة خلال السنوات الماضية مثل سميحة أيوب 2009، والدكتور سلطان بن محمد القاسمي 2014، وزيناتي قدسية 2016، وفرحان بلبل 2018، ورفيق علي أحمد 2022، وجواد الأسدي 2023.

ويأتي اختيار الفنانة نضال الأشقر لهذا الحدث السنوي المهمّ، انطلاقاً من القيمة الفنية والإبداعية التي مثّلتها وتمثلها في سجلات المسرح العربي عامة والمسرح اللبناني خاصة، ودورها الاستثنائي في تكوين صورة بهية لبصمات سيدات المسرح العربي في رسم مشهده ومنحه خصوصيات إبداعية وفكرية تنطلق من إيمان الأشقر بأهمية هذه الخصوصيات التي تعطي غنى للإبداع المسرحي، كما تنطلق من إيمان الهيئة العربية للمسرح بالدور المهمّ الذي مثّلته في ضمير المسرحيين العرب.

من سيدات المسرح العربي

سنوات عمر سيدة المسرح في لبنان نضال الأشقر والتي تجاوزت الثمانين لا تمنعها من المضي قدماً في عالم المسرح، وهي التي خاطبت طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق حين حلّت ضيفة مؤخراً على ملتقى الإبداع: “أشعر أن لديّ طاقة كبيرة أريد أن أخرجها لأستثمرها في بلدي، وأسعى دائماً إلى أن يكون المسرح في أبهى حلة، وأن يجتمع الشباب حوله، وفي رأيي أن الظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان والموجودة حالياً، ومعاناة قطاع عريض من الشعب اللبناني الفقر يدفعنا للعمل بشكل أكبر”.

علامة فارقة

مارست نضال الأشقر في سن مبكرة موهبتها في الكتابة والإخراج في كلية البنات الأهلية، وفي عمر السادسة عشرة تتلمذت على يد ندى البارودي التي عرّفتها على مسرح شكسبير ونصحتها بدراسة المسرح، لذلك توجّهت إلى إنكلترا للدراسة في الأكاديمية الملكية للفن المسرحي الأشهر في العالم لدراسة الإخراج، وفي هذه الأكاديمية اكتشفتْ أن المخرج الناجح يجب أن يكون على دراية كاملة بكلّ تفاصيل العملية المسرحية، وأن يكون ممثلاً، وقد أمضت السنتين الأوليتين في الكلية بالتعرف على تاريخ المسرح العالمي والتدريب على حركة الجسد وتطويعه، خاصة وأن المسرح يحتاج إلى القليل من الكلام: “عندما يصبح الكلام على خشبة المسرح كثيراً يتحوّل إلى ثرثرة، لذلك لم تكن فترة الدراسة في الأكاديمية محطة عابرة في حياتها، وهي التي كانت محظوظة في فترة الستينيات حين قُبلِت فيها كطالبة تحلم بأن تكون مخرجة، وتؤكد الأشقر في كلّ حواراتها أنها لم تفكّر في يوم من الأيام أن تبقى في إنكلترا، فما إن أنهت دراستها حتى عادتْ إلى بلدها لتقوم بواجبها فيه بعد أن تعلمت وامتلكت أدواتها، لذلك رفضت عروضاً كثيرة من شركات إنتاجية كبيرة عرضتْ عليها التمثيل في إنكلترا لأنها أرادت البقاء في لبنان الذي أسّست فيه “محترف بيروت المسرحي” مع مجموعة من الفنانين، فقدمت عشرات الأعمال المسرحية التي كان لها دور كبير في تحريك الحياة المسرحية الخاصة في بيروت، كما أسّست في عام 1984 فرقة “الممثلون العرب” وكانت أول فرقة عربية مسرحية مكونة من ثلاث عشرة دولة، و”مسرح المدينة” في بيروت الذي أطلقته في عام 1996 وهو المسرح الذي كانت تحلم به منذ الصغر، وكرّست حياتها له وتحدّت كل الظروف والمعوقات الكثيرة التي واجهت استمراره ليكون علامة فارقة في تاريخ مدينة بيروت، ولبنان ككل.

شاهدة على العصر

اختارتْ نضال الأشقر المسرح من بين كل الفنون في مسيرتها لانحيازها إلى العمل الجماعي المجتمعي، والمسرح هو الفن الوحيد الذي يلتقي فيه الجمهور والممثل، بالإضافة إلى ما يتمتع به من روحانية ليست موجودة لا في التلفزيون ولا في السينما، مع تردديها دوماً أن خيارها للمسرح كان أصعب خيار لأنه يحتاج إلى تضحية كبيرة، وهي في المسرح تفضّل أن تكون إما ممثلة أو مخرجة، ولا يمكن أن تجمع المهمتين معاً، مع قناعتها بأن المسرح ليس صورة طبق الأصل عن الحياة، ومهمته أن يُقَدّم حياة أخرى وعالماً آخر، وأكثر ما تكرهه اليوم هو الإسفاف في المسرح.

وعن تجربتها كمخرجة مع نصوص الكاتب المسرحي سعد الله ونوس، تشير الأشقر إلى أنها كانت ترغب في تقديم ثلاث مسرحيات له، وأنجزت اثنتين هما “طقوس الإشارات والتحولات” التي أمضتْ أشهراً في قراءتها لتبني عليها فيما بعد مسرحية تقوم على الارتجال، في حين قامتْ على تنفيذ كل ملاحظات ونّوس في مسرحية “منمنمات تاريخية” التي تعدّها من أهم التجارب التي قدمتها، أما نصه “الأيام المخمورة” الذي كان من المقرر أن تنجزه فلم تفعل لأسباب كثيرة، وما يزال حلم إنجازه بالنسبة إليها قائماً، وهي اليوم ‏تخوض تجربة جديدة ستكون فيها شاهدة على العصر من خلال كتاب تسرد فيه تجارب في الحياة والمسرح والفن، قائلة: “الكتاب لا يمثل سيرة ذاتية لي ولكن أسرد فيه مواقف كثيرة مرّت على لبنان وبيروت وما حدث من أحداث سياسية واجتماعية وفنية وغيرها تُسجل وتدوّن مواقف فاصلة مر بها لبنان”.

بعض ما كتبته نضال الأشقر في رسالتها

*كيف لنا نحن المبدعون أن نشاهد المجازر والأطفال والقتلى والعائلات المدمرة والبيوت التي سُطحّت على الأرض في فلسطين والعراق ولبنان وسورية وليبيا والسودان وألا نعبّر بأعمال مسرحية وعلى مدى قرن كامل ما كنا شهوداً عليه؟.

*لكي يلعبَ المسرحُ دوراً ديمقراطياً فعالاً يجب أن تكون هناك ورشة عمل كبيرة وخطة تنهض بالبلاد وتحولها إلى خلية نحل، حيث يعمل فيها المثقفون والفنانون والطلاب والأساتذة يداً بيد للنهوض بمجتمعاتهم وبيئتهم إلى عالم من البحث والدرس والتمحيص والتعبير الحرّ وصولاً إلى المسرح، لذلك يجب أن تكون هناك العشرات من المراكز الثقافية والمسارح والمكتبات العامة كي يصبح المسرحُ أداةً فعليةً وفاعلة في مجتمعاتنا.

*يعيد المسرح الإنسان إلى روحه وجذوره ووجدانه، ويربطه ربطاً سحرياً بأرضه ولغته وتاريخه ومستقبله، وهو في تكوينه يرفض كلّ ما يفرّق، ويجمعُ تحت سقفٍ واحد جمهوراً متعدّد الانتماءات ويحرّض على الحوارِ المثمرِ والفعل والتفاعل.

*المبدع هو المحرّض الرؤيوي الذي يحرك المستنقعات والمسلَّمات القائمة، وهو الذي يخرج من الثابت إلى الأفق الواسع البنّاء.

*وإذا قيل لا شيء في المسرح حقيقي ما دام هو هذا الحلم نجيب: لذلك هو الحقيقة.

تكريمات

نالت نضال الأشقر خلال مسيرتها عشرات التكريمات من جهات عربية وغير عربية، منها وسام الأرز الوطني من رئيس الجمهورية اللبنانية 2016، ووسام الاستحقاق اللبناني الفضي ذو السعف من رئيس الجمهورية اللبنانية عام 2019، ووسام الثقافة العالي من رئيس الجمهورية التونسية في عام 1995، ووسام الفنون والآداب برتبة فارس من الدولة الفرنسية عام 1997، ووسام الفنون والآداب برتبة ضابط من الدولة الفرنسية 2016، وكرّمت مؤخراً في مهرجان قرطاج المسرحي، كما كان لها مشاركات عالمية في فرنسا مع المخرجة البريطانية “جون ليتلوود” والفنان “وولي سوينكا” الذي مثّلت معه بالمسرح القومي في باريس قبل حصوله على جائزه نوبل.