سمر الكلاس تستكمل هواجسها في “جنوب الكهف بقليل”
أمينة عباس
لم تغرّد الروائيّة سمر الكلاس في روايتها الثانية “جنوب الكهف بقليل” التي احتفى بها فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب، مؤخراً، بعيداً عمّا تناولته في روايتها الأولى “وينكسر الطريق”، حيث استكملت فيها هواجسها حول قضايا الحروب وامتداداتها، لكن هذه المرّة بجرأةٍ أكبر.
وتؤكد الكلاس في تصريحها لـ”البعث” أن ما يحدث، اليوم، أمر خطر والهدف منه هو محاولة تغيير خريطة الشرق الأوسط، وأنها وضعت في روايتها الثقل والهمّ العربي كله، وقد كان شغلها الشّاغل التوقعات والاحتمالات في ظلّ قضايا الحروب وامتداد الكيان الصهيوني في فلسطين والأحداث العجيبة التي تحصل في غزة، مبيّنةً أن روايتها ليست توثيقيّة، وإن تضمنت احتمالات ووقائع وأحداثاً حصلتْ في الوطن العربي، لكنّها محض خيال واحتمال وتوقعات منها فكانت نهايتها مفتوحة، لأن الواقع ما يزال لا يشير إلى نهاية حدث معيّن، مشيرةً إلى أن الرواية اجتماعيّة أيضاً، لأنها تتحدث عن نفسيات أشخاص يتأثرون بالواقع وبمن حولهم وهم يمثّلون الوطن العربي جميعاً، وموضحة أنها حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن المباشرة لأنها تقتل الرواية من خلال الحوار والبحث.
رواية مميزة
اتّفق المشاركون في احتفاليّة توقيع سمر الكلاس لروايتها، خلال الندوة التي أشرف عليها الدكتور إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب، على الجرأة الكبيرة التي تحلّت بها الكاتبة في روايتها ومهارتها في تعاطيها مع القضايا والأحداث التي تناولتها، وقدّمت الدكتورة آداب عبد الهادي سرداً مفصّلاً عن أحداث الرواية، عرّفت الحاضرين الذين لم يقوموا بقراءة الرواية بمجرياتها وشخصيّات الفريق البحثي الذي تحدثّتْ عنه الكاتبة، مشيرةً إلى المفردات الجريئة وبراعة الكاتبة في وصف شخصيات روايتها التي وجدتها رواية مميزة بكل ما فيها.
فانتازيا
ورأت النّاقدة ألوان عبد الهادي أن الرواية فانتازيا جديدة قدّمتها الكاتبة بأسلوب فني جديد، تجاوزت فيها الأسلوب الكلاسيكي في السّرد ليكون ذلك فتحاً جديداً لحالة إبداعيّة جديدة في عالم الرّواية من خلال سرعة التعاطي مع الحدث والتكثيف وتحديد البؤرة الأساسيّة للأحداث، لكن بطريقة غير مألوفة، حيث يدخل القارئ إلى الرواية وكأنه يخرج منها، فالبداية تصلح للنهاية والنهاية تصلح للبداية، ضمن فضاء واسع متنامي الأطراف، حيث تعتمد الرواية على أمكنة متعدّدة وغير واضحة، وهذا ما أعطى الرواية فضاءً لا متناهياً متنامي الأطراف ويتلاءم مع الفكرة المطروحة التي أشارت الكاتبة بإصبعها إلى مواقع خطرة جداً، لكن بعيداً عن الشّبهة خوفاً من أن تقع بين يدَي شبكة خطرة تخطّط لدمار الإنسان في سورية وفلسطين، مبيّنةً أن الرواية لم تخلُ من العلاقات العاطفيّة التي بدت مضطربة، بعضها تكلّل بالنجاح وأخرى ظلّت مغموسة بالألم وغارقة بالهواجس والهلوسات التي برزت على لسان الكاتبة أحياناً وألسنة شخصيّات الرواية أحياناً أخرى، مع تأكيدها أن الكاتبة تمتلك مخزوناً فكريّاً كبيراً خلق لديها هواجس كثيرةً وظّفتها في خلق هذه الرواية التي تحتاج إلى قارئ مثقف ومفكر يستطيع أن يقرأ ما بين السّطور ويتذوقها، لذلك قدّمت عملاً روائياً نادراً في عالم الرواية العربيّة.
صوت روائي جديد
وأشار الشاعر عماد الفيّاض عبر مشاركته التي قرأتها عبير القتال مديرة الندوة لوجوده خارج القطر إلى أن أكثر ما لفت انتباهه إلى سمر الكلاس هو قدرتها على سرد الحكاية والاحتفاء بالمكان، وأن ما يميّز روايتها “جنوب الكهف بقليل” هو المونولوجات والحوارات المكثفة، والسّرد الدائري الذي يسير بتمهل، يتصاعد، يتوقف، ثم يتابع، وربما نتجت طريقة السّرد هذه برأيه عن القراءات الكثيرة لها، واثقاً أنه وبعد روايتين لها أننا ربحنا صوتاً روائيّاً جديداً ومختلفاً، وقد أصبحت الكلاس على بعد خطوة من تكريس اسمها في عالم الرواية.
وكانت مديرة النّدوة الكاتبة عبير القتال بيّنت في بداية النّدوة أن سمر الكلاس درست العلوم الطبيعيّة في الجزائر، ودرّست في جامعة ليبيا “الأحياء الدقيقة”، كما عملتْ في الهيئة القومية للبحث العلمي كباحثة، وهي عضو في تجمّع “كلمات” وهي مجموعة أدبيّة معنيّة بتنمية المواهب وزرع روح التحدي، وكانت قد افتتحتْ صالوناً أدبيّاً أكثر من ثلاث سنوات في دمشق، وأن روايتها الأولى حملت عنوان “وينكسر الطريق” وهي صادرة عن الهيئة العامة السّوريّة للكتاب عام 2021، في حين صدرت روايتها “جنوب الكهف بقليل” عن دار المفكر العربي بمصر 2023.