عودة “أستانا” والعثرة “الأردوغانية” الدائمة
أحمد حسن
لا آمال كبيرة في، ومن، جولة “أستانا” الجديدة، وتلك حقيقة موضوعية لا فائدة من إنكارها، لأنها تستند إلى ركائز فعلية عدّة على أرض الواقع. وإذا كانت النتائج الضعيفة عملياً للجولات السابقة أبرز هذه الركائز، إلّا أن السبب الأهم يتمثّل باستمرار تمسّك الطرف التركي بسياساته الحالية، ليمثّل هذا التمسّك عامل إحباط قديماً ومتجدّداً في الآن ذاته، فأما قِدمه فإنه يرقى إلى لحظة تأسيس “المجموعة” مشكّلاً ما يمكن وصفه بالخطيئة المؤسسة، حيث طرف “أستانا” الأقرب جغرافياً إلى سورية هو الأبعد سياسياً عنها والأكثر إصراراً على تعميق أزمتها بسبب تفاقم الرهانات السلطانية وأوهام استعادة الخلافة بمضمونها الاستلحاقي ذاته، وأما “تجدّده”، أي الإحباط، فهو ما يثبته “الفعل” التركي اليومي في الجغرافيا السورية، وآخره ذلك التصعيد الإجرامي والإرهابي – سواء بالأصالة أو عبر الأذرع العميلة – قُبيل الاجتماع تهديماً وتدميراً للمنشآت والبنية التحتية السورية بحجّة مكافحة الإرهاب الذي طالما تقاسم وحلفاءه رعاية وحماية، بل سابقة إنشاء مجموعاته براياتها المختلفة.
بهذا المعنى تحديداً – أي ما “يقوله” الحضور التركي في “أستانا” برهاناته الحالية المعروفة – يصبح الإحباط من الاجتماع مبرّراً، ويصبح جدول الأعمال، وعلى غرار أغلب الاجتماعات السابقة كلها، مقتصراً على بند، واحد ووحيد يتمثّل بمحاولة بقية الأطراف المشاركة عقلنة الموقف الأردوغاني، وإعادة إفهامه أحد أهم ثوابت السياسة التي تقول إن “الجغرافيا هي العامل الثابت في صناعة التاريخ”، بينما يصرّ هو، أي أردوغان، على اعتبار الاجتماع، وعلى غرار كل خطواته السابقة واللاحقة، سواء كانت سياسية أم عسكرية أم إرهابية، يجب أن يخدم هدفاً واحداً: مصالحه الشخصية، فما يعنيه اليوم هو استغلال “الصورة” مع أطراف “أستانا” الأخرى كرصيد دولي يُضاف إلى صندوقه الانتخابي الشخصي الذي سيستخدمه لاحقاً في الانتخابات البلدية القادمة في آذار المقبل، لتكون مشاركته كلها، وبالمحصلة النهائية، مجرّد مخاتلة انتخابية أخرى اعتادها رجل السياسات المخاتلة.
ذلك ما يمنع “الاجتماع” من الإثمار بصورة جديّة ومتكاملة، ويحرمه، بالتالي، من استكمال مهامه وأهدافه في مواجهة الأطراف الأخرى، سواء كانت منظمات أم دولاً إرهابية مختلفة، وهذا أيضاً ما “يقول” سلفاً: إن بياناً ختامياً يصدره اللقاء عن احترام السيادة السورية و”رفض أيّ تدخّل بالشأن السوري” و”دعم السوريين في تمسّكهم باستقلاليتهم وسيادة بلادهم” والتأكيد أن “مستقبل سورية هو حق حصري للسوريين”، ومحاربة الإرهاب، ليس إلا بياناً “خديجاً” منذ ولادته نتيجة للموقف التركي “الراسخ” في غيّه.
خلاصة القول، لن تكبر الآمال بـ “أستانا” الجديدة وتثمر إلّا إذا وُضعت تركيا – أردوغان أمام مسؤولياتها وتعهّداتها التي قطعها رئيسها لشركائه الآخرين، سواء في “الأستانات” السابقة، وصيغتها الأساس احترام سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها وحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه، أم في “سوتشي”، أم في اللقاءات الثنائية بينهم، وإلّا فإن الرجل الذي تجاهل من جملة ما تجاهله – وهو كثير جداً – ديكتاتورية الجغرافيا ودورها في صناعة التاريخ، وما زال يرعى الإرهاب ويرفض الانسحاب من سورية أو وضع جدول زمني لذلك، سيكون المسؤول الأول عمّا حصل وسيحصل لاحقاً من خراب عميم سيطول، وقد فعل، بطبيعته وحقيقة “ديكتاتورية الجغرافيا”، المنطقة بأسرها وأنقرة منها، وذلك ما تشكو منه اليوم لكنها ما زالت، في ظل انقيادها لأوهام “العثرة” الأردوغانية تكابر على الحلّ الذي يبدأ باستحضار روح “أستانا” للحياة فعليّاً لا صوريّاً فقط.