ثقافةصحيفة البعث

منى واصف و”الإنجاز مدى الحياة”

ملده شويكاني

“إذا استطعتُ أن أوصل ابتسامة لبعض الناس فقد قدمتُ شيئاً جيداً.. إذا مسحت دمعة من على خد امرأة فقد قدمتُ شيئاً جيداً.. إذ أمسكت بيد طفل وقلت له تعلم يجب أن تتعلم.. حتى نكون أقوياء في الحياة ونحقق شيئاً، لأننا نستحق أن نكون كل شيئاً”.. هذا ما قالته الفنانة منى واصف الملقبة بـ “سنديانة دمشق” حينما تسلمت جائزة “الإنجاز مدى الحياة” في حفل توزيع جوائز “جوي أوردز”، لعام 2024، الذي أقامته المملكة العربية السعودية في الرياض بنسخته الرابعة خلال فعاليات موسم الرياض.

إلى كل بيت وقلب

وتأتي هذه الجائزة بعد مسيرة تجاوزت الستين عاماً، كانت حافلة بالعطاء المتجدد، فلم تستطع سنوات العمر أن تقف حاجزاً في وجه شغفها اللامحدود في تجسيد أنماط مختلفة من الشخصيات، ولم تستطع الخطوط الدقيقة والتجاعيد التي رسمتها سنوات النجاح أن تقف حائلاً في وجه الكاميرا، ولم تغرها عمليات التجميل لتحصل على أدوار، فكلما ازدادت السنوات كانت تحقق نجاحات أكبر، فمن خلال شخصية “أم جوزيف” التي أدتها في باب الحارة دخلت إلى كل بيت وكل قلب ليس في سورية فقط، إنما في دول العالم العربي وبلاد الاغتراب، إذ قدمت من خلال دورها حقيقة التعايش الديني، والتلاحم الاجتماعي الذي تعيشه سورية والذي وقف في مواجهة الحرب الإرهابية التي حاولت تفتيت نسيج المجتمع السوري وفشلت.

الدراما السورية ـ اللبنانية

ومن أم جوزيف إلى الدراما السورية – اللبنانية المشتركة إلى “أم جبل” في أجزاء سلسلة “الهيبة” مع الفنان تيم حسن، جسدت منى واصف كل ما يحمله دورها من إسقاطات صورة مصغرة عن واقع المرأة السورية التي تحمي بيتها وأسرتها وعالمها الصغير الذي يمثل جزءاً من الوطن.

ثمّ “أم ياقوت” في آخر أعمالها (وأخيراً)، ضمن مشاركتها بالدراما السورية – اللبنانية المشتركة أيضاً، أحست بهاجس الأمومة بالخطر المحدق بابنها “ياقوت” الذي أدى دوره قصي خولي، لكنه لم يصغ لتنبيهاتها فكانت ابنتها الضحية، وعبّرت بمشهد دفن ابنتها المؤثر عن مشاعر كل أم تفقد ابنها أو ابنتها.

وحالياً عادت سنديانة دمشق إلى الدراما السورية المحلية من خلال مسلسل “اغمض عينيك” مع المخرج مؤمن الملا بشخصية جديدة.

فيلم الرسالة والعالمية

وفي تاريخ منى واصف العديد من المحطات المهمة، لعل أهمها مشاركتها بفيلم الرسالة مع المخرج مصطفى العقاد الذي فتح لها بوابة دخولها العالمية بتأدية دور “هند بنت عتبة”، وقد اختارها بعد أن فازت على المرشحتين الفنانة نضال الأشقر من لبنان، وماجدة الخطيب من مصر.

إتقانها اللغة العربية الفصحى

وبالتأكيد عشقها للغة العربية الفصحى وإتقانها اللفظ والتشكيل ومخارج الحروف كان عاملاً مساعداً لها في أدوارها بالأعمال التاريخية والمسرحيات، فكانت بطلة المسرح الوطني بعد أن انطلقت من المسرح العسكري، وقدمت قرابة ثلاثين مسرحية باللغة العربية الفصحى لكبار الكتّاب المسرحيين الأجانب والعرب.

اللهجة الشامية

أما لهجتها الشامية فرافقتها بأكثر من مئتي عمل تلفزيوني، إذ بدأت مع انطلاقة التلفزيون العربي السوري خلال فترة الوحدة بين مصر وسورية عام 1960، فشاركت في مسلسل “ظل” عام 1961، ثم في مسلسل “أسود وأبيض” عام 1966، وتتالت بعدها الأدوار فعبّرت من خلالها عن شخصيتها القوية التي تتحدى الواقع وتنتصر، وبرعت بأدوار الأم بمختلف صورها، وشكّلت مع الفنان دريد لحام ثنائيات رائعة في أعمال عدة.

ومن أشهر أعمالها التلفزيونية القديمة “أسعد الوراق” مع الفنان الراحل هاني الروماني، وفي عام 1976 عملت بأول عمل عربي ملون “دليلة والزيبق” وبعده سافرت إلى دبي لتصوير مسلسل “ساري العبد الله”، فبدأت رحلتها بالعالم العربي ومشاركاتها الدرامية منذ ذاك الزمن.

ومن أعمالها في السنوات الأخيرة “عن الهوى والجوى” و”شبابيك” و”الغريب” و”شوق” و”ممالك النار” وغيرها، وعبْر مسيرتها برعت بالأعمال الاجتماعية والتاريخية والبدوية، وبالأعمال الشامية خاصة مثل “بيت جدي” و”أهل الراية” والأكثر شهرةً “باب الحارة”.

ولم تبتعد منى واصف عن الإذاعة فقدمت الكثير من السهرات الإذاعية والبرامج الشعرية والأدبية، منها “منى واصف والقصة القصيرة” إضافة إلى التمثيليات.

كبار المخرجين والسينما

أما في السينما فلها أفلام عديدة منها “الشمس في يوم غائم”، و”وجه آخر للحب”، و”الاتجاه المعاكس”، و”التقرير”، و”اللص الظريف” وغيرها، وقد عملت في أفلام بتوقيع زوجها المخرج محمد شاهين الذي استمرت حياتها معه حتى فاته، كما عملت مع كبار المخرجين السينمائيين، منهم غسان شميط.

تكريم الفنّ السوري

وتكريم منى واصف الحاصلة على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، وعلى الكثير من الجوائز والتكريمات من دول عديدة، منها الجزائر ومهرجان وهران السينمائي، ومن مصر جائزة من مهرجان الإسكندرية السينمائي، ومن لبنان جائزة من مهرجان الموريكس عن مجمل أعمالها الفنية، وغيرها، يعد تكريماً للفنّ السوري الذي كانت سفيرته في كل أعمالها الدرامية والمسرحية والسينمائية، وما تزال تحلم بتأدية شخصية أنديرا غاندي.

أديبة أمام الكاميرا

والملفت في مسيرة واصف أنها لم تكن تتوقع أن تصبح ممثلة شهيرة، إذ كانت تحلم أن تصبح أديبة، لكن الأقدار لم تحرمها من حلمها الذي جسدته على الواقع أمام الكاميرا بسردها الكثير من القصص المؤثرة والهادفة، وما تزال حتى الآن شغوفة بقراءة الروايات والكتب المنوعة، وفي منزلها مكتبة تضم الكثير من الكتب والدوريات، ويوجد مكتب خاص للقراءة، والكثير من الصور التي تختزل تاريخها الفني وتسكن الجدران وتحتفظ بأجمل الذكريات، والمشاعر الوجدانية.