وفيق خنسة.. من بشيلي إلى العالمية وبالعكس
نجوى صليبه
على مدار سنوات طويلة من العمل في الصّحافة الثّقافية، لم أحضر أمسيةً أو ندوةً تتناول ما أنجزه الأديب والشّاعر وفيق خنسة الذي رحل، مؤّخراً، ونعاه اتّحاد الكتّاب العرب كما نعاه الأصدقاء والوسط الأدبي والثّقافي بكثير من الحبّ والأسى والاحترام.
ولد خنسة في قرية بشيلي بريف جبلة عام 1946، وهي التي استحضرها الباحث بالتّراث الشّعبي الشّفوي اللامادي نبيل عجمية في نعيه لخنسة، إذ كتب تحت عنوان “رحيل العظماء.. وفيق خنسة الذي اصطحب المتنبي إلى طوكيو”: “طرق ثلاث تقودك إلى بيت السكينة والخلوة وهو معنى اسم قرية بشيلي، طريق أرض المغاور والكهوف ـ معرين ـ، طريق مملكة حراما التاريخي ـ عين قيطةـ طريق أرض الخصيب أو المخصب ـ بيت ياشوط ـ تبعد بشيلي حيث ولد وعاش وفيق طفولته وأيام فتوته عن جبلة 33 كم وعن مدينة اللاذقية 60 كم، بشيلي أربع حارات، كلّ حارة هي قرية بحدّ ذاتها، فيها كنوز وأوابد تاريخية تدلّ على عراقتها كقلعة البريصة والقبور القديمة حولها والتي تعود إلى العصر البيزنطي وعدد سكانها حوالي أربعة آلاف نسمة وهي قرية متعلمة، برز فيها العديد من الأدباء والشّعراء والمفكّرين، لكنّ الوحيد الذي نال شهرة عالمية هو الرّاحل وفيق مع حفظ الألقاب، وهو من أدخل بشيلي في مفردات اليابانية، كما أنّه ترجم المتنبي إلى اليابانية، وكرّمته العديد من جامعات العالم وترجمت مؤلّفاته إلى العديد من لغات العالم”.
أردت أن أذكر هذا المختصر التّوثيقي، لنتعرّف على البيئة التي نشأ فيها وفيق خنسة، وانطلق منها إلى العالمية، ومثلما ذكر عجمية هي بيئة تعجّ بالمثقفين ونذكر منهم شقيق الرّاحل الأديب والصّحفي مفيد خنسة، ونذكر أيضاً ابن عمّ الرّاحل فائز خنسة الذي استعاد قصيدةً كتبها في وقت مضى، بمناسبة عودة صديقه وفيق إلى ربوع الوطن بعد سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث قضى فيها أكثر من عشر سنوات، يقول:
هذا وفيق فاق في آدابه
كل النطوس وصفوة الأمجاد
هو للمكارم مكرم بعلومه
وصراط ود ثابت الأوتاد
هو فخرنا ببلادنا ونفوسنا
ورجاؤنا بمكارم الأجداد
شرف لنا أن يبقى رمز ودادنا
وكبيرنا في موقع الآحاد.
“أنت باق فينا لأنك رابط روحي تسمو عن فانيات الحياة.. الشاعر الإنسان العظيم والأديب السامق وفيق خنسة”، بهذه الكلمات رثى الشّاعر ثائر محفوض كما يقول رابط روحه، ثمّ نظم:
أنت الوفيق الّذي جال البقاع هوىً
يا خير من زار مثل العطر ينتقل
لقد قرأتك شعراً ينتشي طرباً
كأنّ أحرفه في سطرها قبل
لمن تركت حروف الشّعر حائرةً
تبكي القصيدةَ فوق الأسطر الجمل
يا شمس قد أفلت عنّا لمغربها
تطلّ صبحاً وفينا يشرق الأمل
إلى قوله:
هذي بشيلة حول القبر باكيةٌ
وإنّنا كشموخ الأرز ننشتل
بالعزّ نمشي حفاةً دون منقصةٍ
لا نأبه الموتَ أرض الشّوك ننتعل
فنحن ضيعة وردٍ أنت نرجسها
من دون سحرك هل بالحسن نكتمل
ترابنا التبر حين ضمّ شاعره
حتّى الصّخور بكت والسّفح والحجل
والسّنديان حنى الهامات من خفرٍ
ما طاق بُعدك كيف الهجر يحتمل
وينوّه محفوض بالخسارة التي مني بها الشعر والأدب برحيل خنسة، فيقول:
لقبلة الشّعر وجهٌ زانه علمٌ
نختار وجهته فرضاً ونقتبل
بحور شعرٍ هنا في رمسه رقدت
حجّتْ لكعبته الفود والمقل
يمشي على الماء والأنواء عاصفةٌ
ولا يبالي فهذا شاعرٌ جبل
يا من رجعت إلى مهدٍ ولدتَ به
وفيك طهر ثراه اليوم يحتفل
حتّى السّماء لك اشتاقت فرحت لها
وحولك الأنجم الشّقراء تكتحل
عمل وفيق خنسة مدرساً في ثانويات اللاذقية، وأستاذاً زائراً في جامعة طوكيو. نشر في الصحف والمجلات السورية والعربية. وهو عضو جمعية الشعر.
درس الفلسفة والعلوم الإنسانية، واتّجه إلى كتابة الشّعر والنّقد، وعمل في ملحق جريدة الثّورة الأدبي، ونشر كتابه النّقدي “دراسات في الشّعر السوري الحديث” الذي عدّه مرجعاً في النقد ومقرراً في جامعة وهران، وعمل محاضراً في جامعة طوكيو قسم الدّراسات العربية من عام 1986 إلى عام 1990، له العديد من الإصدارات في الشعر والقصة والترجمات، ونذكر في الشعر “إشارات متنافرة على وجه الحاضر” 1970، و”لعينيك ما أشتهي أن يكون” 1978، و”الجمر”1984، و”شتاء الجنون” 1994، وله في النّقد الشّعري “جدل الحداثة في الشّعر” 1985، و”الوقائع والمصير” 1994، وفي القصّة نذكر “أحاديث الأقنعة” 1992، وفي الدّراسات “الشّخصية اليابانية”1994، وفي التّرجمة “كويدان” 1992.
كذلك كان للأطفال نصيبهم من شعر الرّاحل وقصصه، ونذكر هنا “أغاني الطّفولة ـ شعر” 1986، والمجموعة القصصية “حكايات شجرة التّوت” 1979.