الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

صدّق أو لا تُصدّق

عبد الكريم النّاعم 

أنا، وأعوذ بالله من أنا الإبليسيّة، وأعتصم بأنا العبوديّة.. أنا بلغتُ من العمر عتيّاً، ولم أعد قادراً على المشي إلاّ لمسافات قصيرة جدّاً، أقول هذا لأبيّن حجم المعاناة، بعد خدمة أكثر من أربعين سنة في التربية والإعلام.

*في الشهر الثاني عشر من العام الماضي، وبينما كانت الآلة تقوم بسحب راتبي انقطعتْ الكهرباء، وهذا بحسب المتّبع في المصرف التجاري، فإنّ على المنكوب أن يذهب شخصيّاً إلى المصرف وأن يتقدّم بتقديم طلب مطبوع يُمْلأ، وقد أخذني ابني، عكازتي في سنواتي الأخيرة، واستطاع أن يشقّ طريقه بصعوبة بسبب الازدحام في الشارع، وفي بهو المصرف، وأحضر أحد الموظّفين ومعه الطلب، فوقّعتُه، وقالوا لنا: الأمر يحتاج لعشرة أيام، أو لخمسة عشر يوماً، وتُحَلّ هذه العقدة، غير أنّ ثمة مثلاً شعبيّاً يقول “المنحوس إذا ركب على الجَمَل يعضّه الكلب”، وكان أحد أعمامي يصف حاله فيقول عن نفسه إنّه إذا ركب على الجَمَل تعضّه النّعجة التي لم تعضّ أحداً قطّ، ويبدو أنّه قد ورّثني حصيلة هذا المثل، فقد انتهت مدّة البطاقة التي أقبض بموجبها راتبي، وحين ذهبنا للمراجعة -وحين أقول ذهبْنا أعني أنا وعكّازتي- قيل لنا إنّها لم تأتِ من دمشق، وانتظرنا.. وانتظرْنا.. وأنتم تعلمون حاجة موظّف متقاعد لراتبه الذي لا يكفي إلاّ لبضعة أيام، وعليه بعدها أن يتدبّر أمور حياته، أمّا كيف يتدبّرها فذلك لا يعني أصحاب الشأن!!.

اتّصلتُ بولد لي مقيم في دمشق وشرحتُ له الواقع، وسألتّه فيما إذا كان يعرف أحداً في المصرف المركزي، فذهب واستقبله الموظّف الذي ذهب إليه بكثير من اللّباقة، وحين شرح له الحالة، أجابه أنّ وجود هويّتي الشخصيّة ضروري لحلّ هذا الأمر، إذْ أنّ أمراً رسميّاً قد وُزّع على الجهات المختصّة، مفاده -كما فهمت- أنّ مَن يصل إلى الشهر الأخير من تجديد بطاقته، وليس في رصيده في البنك الذي يتقاضى راتبه منه مبلغ لا يقلّ عن ثمانية آلاف ليرة، فإنّ ذلك يعني أنّ بطاقته قد يتعثّر وصولها إليه بضعة أشهر، و.. أرسلنا الهويّة الشخصيّة..

أنا أسأل كم عدد المتقاعدين الذين سمعوا بهذا البلاغ؟!!.

من جهة أخرى، هل ثمّة متقاعد يزيد عن حاجته ثمانية آلاف ليرة ليلتزم بما جاء فيه؟!!.

بعد عدّة أيام وصلت البطاقة، وأنا دون راتب منذ شهرين، والذي فهمتُه فيما بعد أنّ الثمانية آلاف هي ثمن البطاقة،.. تُرى ألا يُمكن أن تؤخَذ هذه الآلاف الثمانية من راتب المتقاعد حين يستلم راتبه، وهو ببطاقته حاضر في كلّ شهر؟!!.

أنا، بالمصادفة، لي ابن في دمشق تابع هذا الأمر، فماذا يفعل مَن لا قريب له فيها، أينتظر عدة أشهر حتى تصله بطاقة النّجاة؟!!.

إنّ أيّ بلاغ أو قرار يُفترَض فيه أن يسهّل الأمور على المتقاعدين، أو المواطنين بعامّة، فإذا حدث العكس، فلا شكّ أنّ نتائجه ستكون في غاية السلبيّة، وهذا يستدعي أن تُبادر الجهات الرسميّة الأعلى لإزالة ذلك الغُبْن.

إنّ أخذ سورية من الداخل صار هدفاً أساسياً، بعد أن فشلوا في أخذها من الخارج على الشكل الذي طمحوا إليه، فاستُبدلتْ الخطط، دون تغيير في الأهداف، لاسيّما وأنّ الناس يمرّون بظروف معاشيّة على درجة كبيرة من القهر.

إنّ المواطن الذي يُضطرّ للسفر إلى دمشق، للمراجعة، سيدفع أضعاف ما يتقاضاه من راتب، فكيف سيتصرّف؟ فإذا كان عاجزاً فعليه أن يفتح فمه للهواء، والهواء، للأسف لا قوت فيه.

ياناس.. لقد بلغت الحُلقوم، فهل ثمّة مِن يسمع؟!!.

aaalnaem@gmail.com