29 % من المدارس دُمرت جزئياً أو كلياً وانخفاض ملحوظ بتلاميذ التعليم الأساسي
دمشق – لينا عدره
أظهر تقرير صادر عن الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان أن نسبة المدارس التي تعرّضت للتدمير الكلي أو الجزئي تقدر بنحو 29%، ما يؤثر بالتالي بشكلٍّ سلبيٍّ على جودة التعليم المقدّم، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاب في الشعبة الدراسية، التي كان متوسط عدد الطلاب فيها 28 طالباً، بالنسبة للتعليم الأساسي، في العام الدراسي 2010 – 2011، ليرتفع إلى 32 طالباً وطالبة في 2020، خلال الحرب.
وبين التقرير الذي حمل عنوان “العودة والاستقرار” أن قطاع التعليم، ونظراً لطبيعته الخاصة المرتبطة بانتشاره الواسع وشرائحه السكانية المنخرطة فيه من الأطفال والشباب، يُعتَبَرُ من أكثر القطاعات المتأثرة بالأزمة، وخاصةً مع ما سبّبته الحرب لهذا القطاع من فقدان جزء كبير من المكتسبات التي حققتها سورية على مدار أكثر من أربعة عقود سبقت الحرب، والتي تركت على صعيد الأضرار المادية، وعبر خسائر مادية وبشرية كثيرة جداً، تأثيراً سلبياً سيبقى أثره لفترة طويلة من الزمن.
وسلَّط التقرير الضوء على العديد من المشكلات السلوكية والنفسية التي أدّت الحرب إلى ظهورها، إضافةً إلى وجود حالات عديدة من التوقف القسري عن التدريس لأشهر متتالية في بعض المناطق التي عانت من الإرهاب بسبب انعدام الأمن على الطرقات في هذه المناطق وصعوبات الوصول إلى المؤسسات التعليمية، يضاف إلى ذلك التأثيرات السلبية على مجمل العملية التعليمية لأبناء المناطق التي خضعت لسيطرة الجماعات الإرهابية جرَّاء فرضها لمناهج جديدة مستوحاة من الفكر المتطرف التكفيري، لأجل تكوين منظومات قيم دخيلة على المجتمع السوري، وكذلك استخدامها للمدارس كأماكن لتنظيم وإدارة عملياتها الإرهابية، فضلاً عن تجنيدها للأطفال والمراهقين.
وأشار التقرير إلى أنه وبالرجوع إلى البيانات التسجيلية لوزارة التربية خلال الفترة 2010 – 2015 و2015- 2019، وتحديداً في مؤشر معدل نمو تلاميذ وطلاب التعليم الأساسي، أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في نسبة التلاميذ والطلاب في التعليم الأساسي، حيث وصل معدل النمو السلبي إلى نحو – 14% في محافظة درعا و – 12% في حمص و – 10% في حلب خلال الفترة 2010 – 2015، ما يشير إلى وجود انخفاض في نسبة التلاميذ والطلاب في التعليم الأساسي في المحافظات الطاردة خلال الأزمة، ولكن بمعدلات نمو سلبية متفاوتة حسب تيارات النزوح في كلّ محافظة.
وأوضح التقرير أن هناك تراجعا في معدلات نمو التلاميذ والطلاب خلال الفترة 2015 – 2019 في المحافظات الجاذبة، مثل دمشق واللاذقية وطرطوس، نتيجةَ تيارات العودة لأسر التلاميذ والطلاب إلى المحافظات المحرّرة، إلى جانب ارتفاع معدلات النمو السلبية للطلاب والتلاميذ بشكل ملحوظ في محافظات دير الزور والحسكة وريف حلب نتيجة العدوان الخارجي.
وأشار التقرير إلى الاختلالات البنيوية في التركيب التعليمي للسكان والقوى العاملة، بسبب ما تعرّض له القطاع التعليمي من أوجه قصور وفجوات في مؤشراته، وخاصةً في مرحلة التعليم الأساسي، مُحذِراً من الآثار السلبية لتلك الاختلالات ديموغرافياً واجتماعياً واقتصادياً، والتي ستكون شديدة الوضوح خلال العقدين القادمين، ما لم يتمّ تداركها عبر سياسات وبرامج تدخلية فعالة.
وأشاد التقرير بالجهود الاستثنائية التي بُذِلت من قبل المعنيين في القطاع التعليمي، وكان هدفها الأساسي الحفاظ على استمرارية العملية التعليمية في ظل الحرب، وتعويض النقص وتأمين البدائل المناسبة لمستلزماتها المتعدّدة والمتنوعة، عبر سياسات وإجراءات وبرامج تدخلية امتصّت الصدمة الأولى وتابعت استجاباتها الممنهجة في تحجيم الآثار السلبية للحرب، إلى حدودها الدنيا، حيثما كان ذلك ممكناً، والتي كان أبرزها توفير التعليم والوصول الآمن والمنصف للجميع، ولاسيما للمهجّرين والمتأثرين مباشرةً بالأزمة، من خلال تقديم تسهيلات للأطفال الذين ليس لديهم وثائق ثبوتية مدرسية، وتطبيق مسارات تعليمية مرنة لتعويض الفاقد التعليمي (متسربين، منقطعين، غير ملتحقين) عبر التعليم المكثّف (منهاج الفئة ب)، من خلال ما تمّ تطبيقه من قبل وزارة التربية (في المناطق التي تمّ تحريرها من المجموعات الإرهابية) والمتمثل باحتضان الأطفال ممن هم في سن التعليم وإلحاقهم بالمدارس مباشرةً وفق نظام التعليم البديل، وتأمين إعادة إلحاق الأطفال الذين حرموا من التعليم وتعزيز فرص التعليم البديلة كاستجابة إنسانية بالتعاون مع المنظمات الدولية لتحسين نسب التحاق بالتعليم.
وأظهر التقرير الأثر السلبي للأزمة، والذي بدا واضحاً على المسار الطبيعي للدورة الحياتية للأطفال، عبر خسارة شريحة كبيرة من هؤلاء الأطفال سنوات أساسية من تكوينهم التعليمي والثقافي السليم أو السوي، ليَروا أنفسهم أمام خيارات ضعيفة لا تتناسب ومتطلبات إعدادهم تربوياً وتعليمياً وثقافياً واجتماعياً، ليُظهِرَ التقرير وبحسب البيانات المتوفرة (المرئية) أن نسبة الأطفال المشتغلين من مجموع المشتغلين من كافة الأعمار عام 2015 بلغت نحو 3،7%، لتنخفض فيما بعد وتصل إلى 2،3% عام 2019، ليُشكِّل هؤلاء الأطفال المشتغلين ما نسبته 9،4% من مجموع أطفال هذه الشريحة العمرية عام 2015- و7،9% عام 2019، والذي ووفقاً لما أشارت إليه المعطيات فإن السبب الأهم في دخولهم المبكر إلى سوق العمل هو لدعم دخل الأسرة والمساعدة في تسديد التزاماتها المادية، وعدم قدرة تلك الأُسر على تحمّل مصاريف دراسة أبنائها نتيجة تزايد الضغوط المادية جرَّاء الحرب.
وما لا شكّ فيه أن واقع القطاع التعليمي يمرّ بمرحلة سيئة جداً رغم كلّ محاولات المعنيين لترميم ما أمكن، إلا أن البيانات والإحصائيات تعكس الواقع الحقيقي الذي قد يكون صادماً جداً، وخاصةً مع تسرّب أعداد كبيرة جداً من الأطفال واتجاههم نحو سوق العمل، ما يضع الجهات المعنية أمام مسؤوليات ضخمة لا بدّ من البدء والإسراع بتنفيذها عبر خطط مدروسة، لتدارك ما يمكن تداركه.