أمريكا تشعل المنطقة بالنار
د.معن منيف سليمان
شنّت الولايات المتحدة هجوماً جويّاً بمشاركة بريطانية مباشرة على عدد من المواقع اليمنية ادّعت أنها قواعد لإطلاق وتخزين الصواريخ والمسيّرات التي استخدمتها القوات المسلّحة اليمنية ضدّ “الملاحة البحرية الدولية”. إن العدوان الأمريكي على اليمن سوف يصعّد احتمال اتساع دائرة الحرب ويشعل المنطقة بالنار، مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزّة، وذلك أن هذه الهجمات تأتي تماشياً مع استمرار الدعم الكامل من الولايات المتحدة وبريطانيا لجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني في ظلّ الحصار الخانق على قطاع غزّة.
وبعد أن تم لأمريكا ما تريد من خلال استصدار قرار من مجلس الأمن “يشرّع” عدوانها على اليمن، شنّت هجوماً جوياً بمشاركة بريطانية مباشرة على عدد من المواقع اليمنية في صعدة، وحجة، وصنعاء، والحديدة، علماً أن القرار الأممي لا يوفّر لواشنطن حقّاً في شنّ عدوان على اليمن، والهجوم بالوقت نفسه يعدّ انتهاكاً للدستور الأمريكي من خلال تنفيذ غارات جوية في اليمن دون موافقة الكونغرس، بالإضافة إلى عدم موافقة الشعب الأمريكي الذي سئم من الحروب التي لا تنتهي.
والهجمات اليمنية لا تهدّد سوى السفن المتجهة إلى فلسطين، وذلك أن صنعاء طالبت بوجوب وقف العدوان على قطاع غزّة تحت طائلة عرقلة حركة التجارة البحرية للسفن الإسرائيلية بداية، كوسيلة ضغط لوقف العدوان على قطاع غزّة.
لقد أعلنت صنعاء أنها تلتزم كما هي أمريكا ملتزمة بدعم “إسرائيل”، بما أعلنته منذ بدء عملياتها البحرية بإنهاء الحصار وإيقاف العدوان وحرب الإبادة على قطاع غزّة وإدخال المواد الغذائية والعلاج والمحروقات وكل وسائل الحياة، واستمرار الإجراءات في البحر الأحمر وباب المندب بمنع مرور السفن الإسرائيلية أو التي تحمل البضائع للموانئ الإسرائيلية مهما كان الثمن.
إن توجيه واشنطن ضرباتٍ جوية إلى أهداف في اليمن، هو جزء من جهود الإدارة الأمريكية لردع اليمنيين عن شنّ المزيد من العمليات الهجومية في البحر الأحمر وخليج عدن، مع إظهار أن واشنطن ملتزمة بتزويد “إسرائيل” بدعم قوي خلال حربها على قطاع غزّة التي لها العديد من الآثار المتتالية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ولكن مع تعهّد صنعاء بالرّد والانتقام، فإن الضربات الأمريكية لن توقف القوات المسلّحة اليمنية هجماتها البحرية ضدّ السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها. وهذا ما تعلمه القيادة الأمريكية في واشنطن التي تسعى إلى استعادة الردع في أسرع وقت ممكن، ما يعني بالتأكيد الاضطرار إلى الاستمرار في الرّد والرّد المعاكس الانتقامي ويشير إلى اتساع دائرة الصراع في المنطقة، ولن يؤدّي في النهاية إلا إلى تشجيع المزيد من الهجمات.
ومن خلال التهديدات المتبادلة والتصريحات الأولية يبدو أن الأمر أبعد من مجرّد ضربة ضدّ بعض مواقع عسكرية، وسوف تظهر الأيام القادمة ما هو مخطّط له من خلال تطوّرات الحرب على غزّة حيث يحذّر كل المراقبين من اشتعال المنطقة بالنار.
لقد اكتشفت واشنطن أن هجمات اليمنيين على السفن الإسرائيلية باتت ذات تأثير سلبي وتلحق الضرر بالاقتصاد الإسرائيلي، وربما تكون فاعلة ومؤثرة لإجبار “إسرائيل” على وقف عدوانها على قطاع غزّة، ما عدّته واشنطن غير مقبول ويمسّ هيبتها السياسية والعسكرية وسيكون له أثر كبير في إلحاق هزيمة استراتيجية للنفوذ الأمريكي في البحر الأحمر وخليج عدن.
ومن جهة اليمنيين، ليس لديهم ما يخسرونه بعد حرب طويلة لأكثر من عشر سنوات، وقد حصلوا خلالها على جرأة عسكرية وتمرّسوا في مقاومة الهجمات الجوية، وهم واثقون من أن أمريكا لن تجرؤ على الدخول في حرب برية خاسرة سلفاً، كما أنهم استثمروا مواردهم جيداً في التسليح وتطوير قدراتهم العسكرية وباتوا يملكون عشرات الآلاف من الصورايخ التي يصل مداها إلى نحو ألفي كيلومتر، وكان أساس تصنيعها الدفاع عن النفس ودعم القضية الفلسطينية.
إن العدوان الأمريكي البريطاني لن يبقى دون ردّ وعقاب، وعلى الإدارة الأمريكية أن تتحمّل التبعات الخطيرة لأنه ليس هناك ما يضمن على الإطلاق أن هذا العدوان على اليمن سوف يردع القوات المسلحة اليمنية، بل قد يؤدّي إلى المزيد من الهجمات الانتقامية التي سوف تطول المصالح الأمريكية في دول الخليج العربي، وهذا يعني انجرار واشنطن الفعلي إلى حرب إقليمية واسعة، ربما كانت الإدارة الأمريكية تسعى إلى تجنّبها، وخاصة أن خطر التصعيد ربما لا يقتصر بالضرورة على البحر الأحمر والخليج العربي، وإنما مع اتساع دائرة الحرب سوف تتعرّض القواعد العسكرية الأمريكية في سورية والعراق لهجمات متزايدة وعنيفة، ومع خروج الوضع عن السيطرة وفتح جبهات عديدة، وقد تتخذ إيران إجراءات انتقامية وتغلق مضيق هرمز.
ويبدو أن بوادر الهزيمة الأمريكية بدأت تظهر بوضوح من خلال فتح جبهات جديدة غير جبهة غزّة في العراق ولبنان وسورية، وربما كان الأجدى بواشنطن بدلاً من أن تبحث عن مواقع يمنية لاستهدافها، أن تبحث عن مخارج لورطتها في البحر الأحمر.
إن توسيع دائرة الاستهداف لا يمثّل حلاّ للمشكلة، وإنما سيدفع لاتساع نطاق الحرب، ولذلك فإن الحل يكمن في أن يمارس مجلس الأمن الدولي مسؤولياته، بأن يصدر قراراً متوازناً يوقف فيه الحرب العدوانية الوحشية على قطاع غزّة، وذلك أن “إسرائيل” تدفع المنطقة برمّتها نحو المزيد من الصراعات والتوتّرات والحروب من خلال الاستمرار في حربها العبثية على قطاع غزّة. وإن محاولة فتح جبهات جديدة وجرّ الغرب إليها هي رغبة رئيس حكومة الكيان الذي يسعى إلى الخروج من أزماته الداخلية.