“أسامينا” ليست “عينينا”..
نجوى صليبه
غنّت فيروز “أسامينا” كلمات الشّاعر جوزيف حرب وألحان فيليمون وهبي، ونقتطف منها: “أسامينا.. شو تعبوا أهالينا.. تَ لاقوها، وشو افتكروا فينا.. الأسامي كلام.. شو خصّ الكلام.. عينينا هنّي أسامينا”، نعم ما علاقة الكلام بأسمائنا إن كانت العيون تتحدّث وتنطق وتعبّر؟ كلمات مغرقة في الواقعية والرّومانسية في آن معاً، فمن يفكّر اليوم بما تقوله العيون أو حتّى القلوب؟ وإن وجد هذا الشّخص يقول عنه البعض إنّه قادم من “عصر الجاهلية”، في إشارة منهم إلى أنّ ذاك العصر جاهل بالمعنى الحالي للكلمة، والسّؤال المهمّ هنا: هل ما نزال نحتفظ ببريق عيوننا في ظلّ العتمة التي نعيشها؟.
وغنّت فيروز أيضاً قصيدة للشّاعر قيس بن الملوّح، لحّنها محمد محسن، فقالت:
أُحبُّ من الأسماء ما وافق اسمها
أو شبهه أو كان منه مدانيا
“ليلى” كان اسم حبيبته الذي خلّده تاريخ الأدب العربي وسيخلّده، وهو ليس مجرّد اسم يطلق، بل حياة بأكملها دأب العرب على اختيارها بما يتوافق وبيئتهم، فكانت مستوحاة من الصّخر والرّمل والحيوان والنّبات، وبما يتوافق أيضاً مع صفاتٍ شخصيةٍ يرغبون أن يحملها صاحب هذا الاسم، على اعتبار أنّ “لكلّ من اسمه نصيب”، فسموّا ليثاً وفراساً وضِرْغاماً، كذلك من الحالات النّفسية والشعورية من الحبّ والوله والحزن والشّغف والسّهر والكرم، وكان لأدوات قتالهم نصيب من أسمائهم أيضاً، فكان كميت وأدهم، يقول القلقشندي 1355ـ 1418م المصري في كتابه “نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب”: “غالبية أسماء العرب منقولة عمّا يدور في خزانة خيالهم ممّا يخالطونه ويجاورونه، إمّا من الوحوش كأسد ونمر، وإمّا من النّبات كنَبت وحنظلة، وإما من الحشرات كحيّة وحنش، وإمّا من أجزاء الأرض كفِهر وصَخر”، والسّؤال هنا: لو بقينا على هذا المنوال، وسمّينا أبناءنا بحسب البيئة المحيطة بنا ماذا عساها تكون؟ قد تكون “تقنين” أو “رسالة” أو “كهرباء” أو “خلص الرّاتب” أو “مكافأة” أو “عتّم قلبنا”!..
“سمّيت ابني على اسم فلان تيمناً به” عبارة يصرّح فيها كثير من الأهالي، وهي ظاهرة موجودة منذ القدم وبمسمّيات كثيرة، منها “أسماء الصّدفة”، أي أن يحدث أمراً ما يتفاءل فيه الأبّ فينقل هذا التّفاؤل إلى ابنه، يقول الجاحظ في كتابه “الحيوان”: “والعرب إنّما كانت تسمّي بكلب وحمار وحجر وجُعْل وحنظلة وقرد، على التّفاؤل بذلك، وكان الرّجل إذا وُلد له ذكر خرج يتعرّض لزجْر الطّير والفأل، فإن سمع إنساناً يقول حجراً – أو رأى حجراً- سمّى ابنه به وتفاءل فيه الشدّة والصّلابة والبقاء والصّبر، كذلك إن سمع إنساناً يقول ذئباً -أو رأى ذئباً- تأوّل فيه الفطنة والمكر والكسب.. فإذا صار حمارٌ أو ثورٌ أو كلبٌ اسم رجل معظَّم، تتابعت عليه العربُ، ثم يكثر ذلك في ولده خاصّة بعده”.
أمّا اليوم، فيستعد الوالدان لمنح أسماء مميزة وغريبة وغير “مطروشة” لأبنائهم، ويبحثون في الشّابكة ويسألون ويستفسرون عن معانيها، ثمّ يخرجون بأسماء بعضها غريب جدّاً لدرجة أنّ لفظه بشكل سليم يأخذ وقتاً، وبعضها على سهولة لفظه هناك من يلفظه بشكل خاطئ، وعندما الابن ـ أو البنت ـ يغيّر اسمه من باب أنّه لا يناسبه بحسب ما نصحته عالمة الفلك والأبراج والطّاقة والأسماء هذه أو تلك، ويحزن عندما ينسى البعض مناداته بالاسم الجديد، وهنا لا بدّ من أن نستذكر أنّ الأهل في دول أجنبية يمنحون طفلهم اسماً ثلاثياً ليختار من بينها عندما يكبر الاسم الذي يحبّ أن ينادى به، طبعاً مع إمكانية إضافة اسم آخر.
لكن المصيبة ليست هنا، بل في اسم الدّلال الذي ينعت به الأهل طفلهم، فقد يكون اسمه مكوّن من ثلاثة حروف واسم الدّلال من عشرة، وقد يكون الاسم يدلّ على البأس كأن يكون شجاعاً واسم الدلال “شوشو”، أمّا الطّرفة فتكون في أن يضطر شخص رزين وجدّي على “تدليل” طفل ما بحكم أنّه يسمعه كثيراً من أصحاب الأمر.
ومن باب التّندّر، نستذكر طرفةً نتداولها، ومختصرها أنّ رجلاً مضى على زواجه أكثر من ثلاثين عاماً، وما يزال ينادي زوجته بـ”حبيبتي”، أمر أثار حفيظة صديقه وحسده ربّما، فسأله مستفسراً: “ما سّر هذا الحبّ الدّائم والمستمر، لدرجة أنّك ما تزال تنادي زوجتك بـ”حبيبتي”؟.. ليردّ عليه الأوّل بوجه مشوش الملامح: “اسكت يازلمي نسيان شو اسمها”.