يهود الخزر
د. خلف المفتاح
يعدّ يهود الخزر جماعة من شعوب مختلطة استوطنوا حوض نهر قزوين في آسيا الصغرى (تركيا اليوم) واعتنقوا الديانة اليهودية في القرن التاسع الميلادي حتى يكونوا بمنأى من الصراع بين الدولة الإسلامية والدولة البيزنطية، وأقاموا دولة لهم سمّوها دولة الخزر، وينحدر من سكان الخزر معظم اليهود الأشكناز الغربيين الذين استوطنوا وانتشروا في غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وهؤلاء اليوم يسيطرون على يهود العالم.
وكلمة خزر تعني باللغة التركية التجوال أو الترحّل أي البدو الرحّل، وهذه الشعوب اعتنقت اليهودية بعد اعتناقها من ملك الخزر (الخاقان) وتبعه كثير من شعبه في القرن السابع الميلادي في فترة حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد، وكان الخزر قبل ذلك يدينون بالديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية ويميلون إلى الديانة اليهودية، وظلت دولتهم تعدّ دولة يهودية مستقلة، وبالتالي لا يمتّون بأية صلة لنسل اسحق ويعقوب المعروف باسم “إسرائيل”، وكانت هجراتهم تتجه من وسط آسيا إلى غربها وشرق أوروبا.
وكانت دولة الخزر تعدّ القوة الثالثة بعد الإمبراطورية البيزنطية والخلافة العربية، ومع ذلك انتهت دولتهم ووجودهم فانتشروا في معظم دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وذلك لغياب التماسك الديني والثقافي، حيث كانت تدير دولتهم طبقة حاكمة من اليهود مع وجود الكثير من أتباع الديانات الأخرى والوثنيين من عبادة الفالوس، وكانت موارد دولة الخزر تعتمد على الضرائب ولم يكن لديها نظام إنتاجي واقتصادي ولم تكن تسيطر على الطرق والممرات والموانئ.
وبعد اعتناق هذه المملكة الديانة اليهودية عاشت ما يقارب خمسمائة عام حتى سقطت نهاية القرن الثالث عشر الميلادي على أيدي الإمبراطورية الروسية، وهكذا دخل يهود الخزر الإمبراطورية الروسية وعملوا على المساهمة والمشاركة في إشعال نار الثورة الشيوعية حتى استطاعوا إسقاط الإمبراطورية الروسية وقامت الجمهورية الشيوعية عام 1917، وقد شكّل اليهود الجزء الأكبر في التنظيمات الحزبية حيث كان تاريخهم مليئاً بالمؤامرات على الإمبراطوريات المختلفة التي وجدوا فيها، وها هو المؤرخ البريطاني ادوارد جيبون 1737-1794م يذكر تأثير التجار والمرابين اليهود في انحطاط وسقوط الإمبراطورية الرومانية ثم دخول أوروبا عصر الصراعات والظلام، ما أدّى إلى تعرّضهم للاضطهاد من ملوك أوروبا، وذلك لسيطرة المرابين اليهود على اقتصادات البلاد وإنشاء المصارف بهدف استغلال الطبقات الفقيرة، ما حدا بسلطات تلك البلدان إلى إصدار القوانين للحدّ من الربا الفاحش الذي كان يمارسه المرابون اليهود، إضافة إلى الحد من حركتهم حيث أصدر المؤتمر المسكوني الرابع مراسيم تقضي بتحديد إقامتهم في أحياء خاصة بهم (غيتو)، وقيام بعض الدول بطردهم إلى بريطانيا كما هو حال الحكومة الفرنسية سنة 1553، حيث أصبحوا لاجئين فيها، ومع ذلك تمكّنوا من السيطرة على عدد كبير من رجال السلك الكنسي والنبلاء والإقطاعيين حتى صار اليهودي هارون اوف لينكولن أغنى رجل في انكلترا، وهكذا فعل اليهود في الإمبراطورية العثمانية حين اعتنقوا الإسلام لجهة تخريبه من الداخل وتقويض تلك الإمبراطورية وإنهائها عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك.
والحال أن الحركة الصهيونية ومناصريها وأتباعها عملوا كل ما في وسعهم لإخفاء حقيقة دولة الخزر، لأنها تشكّل خطراً حقيقياً على مطالب الصهيونية بعودة ما يسمّى الشعب اليهودي إلى فلسطين، حيث أثبتت الدراسات التاريخية ومنها كتابات اليهودي البريطاني الجنسية (أرثر كويستلر) في كتابه الذي صدر عام 1970 بعنوان القبيلة الثالثة عشرة، أن معظم اليهود الأشكناز وخاصة يهود أوروبا الشرقية هم من أحفاد الخزر، وهو ما أشارت إليه مؤلفات أستاذ التاريخ الدكتور سهيل زكار رحمه الله.