“الأغباني” حرفة تراثية شارفت على الاندثار
ملده شويكاني
سورية الدولة المنتجة الأولى لحرفة الأغباني في الوطن العربي، الحرفة التراثية الدمشقية المتأصلة بين دمشق ودوما عروس الغوطة الشرقية بشكل خاص، بهذه المعلومة اختُتمت المحاضرة التي أقامتها مديرية ثقافة دمشق بالتعاون مع جمعية أصدقاء ريف دمشق، بعنوان “صناعة الأغباني في دمشق والغوطة الشرقية” في المركز الثقافي العربي ـ أبو رمانة- التي ألقاها الباحث بالتراث أحمد برهوم الناشئ على حرفة الأغباني من شغل والدته على ماكينة الأغباني ونومه على موسيقا صوتها كما ذكر.
معرض مباشر
لم تقتصر المحاضرة على توثيق الحرفة، إنما تطرق برهوم إلى واقع الحرفة التي شارفت على الاندثار، لولا تصميم العاملين فيها على استمرارها، والعمل حالياً على محاولة إدراجها على قائمة اليونسكو بتوثيق وحفظ التراث اللامادي باسم دوما، منوهاً بأن شغالة الأغباني إذا لم تمتلك الإحساس الفني لن تنجح بعملها، وأعلن عن إقامة معرض لمنتجات الأغباني بشكل مباشر بمشاركة الشغالات وماكينات الأغباني والتطريز المباشر أمام الزائرين.
وبرهوم في محاضرته على الشرح والاستعانة بالصور لماكينة الأغباني والأدوات المستخدمة والمنتجات لطقم الأغباني مع المحارم المنوّع بين الطلس والمفرغ والكريستال “النافر”.
تاريخ الأغباني
وتحدث عن تاريخ الحرفة، فكلمة الأغباني تركية الأصل وتعني الزخرفة على القماش، ويعود وجودها في حلب إلى أكثر من خمسمئة سنة خلت، وتشير بعض المصادر إلى أن عائلتي الباني والآغا نقلتا هذه الحرفة إلى دمشق ودوما، وكانت مخصصة للمسؤولين والعلماء والأثرياء، وقد أبدعت فيها النساء اللواتي تعلمنها منذ الصغر من أمهاتهن، وأصبحت جزءاً من التراث ومن جهاز العروس، لكن الأوضاع ساءت في سنوات الحرب وتعرضت هذه الحرفة للاندثار.
وأشار برهوم إلى أن عدد ماكينات الأغباني الموجودة في دوما قبل الحرب كانت أكثر من خمسة عشر ألف ماكينة.
أما عن تطور العمل، فقبل الماكينة كان عن طريق الطارة الخشبية والإبر مثل “الكنفة”، وكان يصنع الأغباني قديماً من الحرير الطبيعي، ومع الزمن استخدم القماش القطني والتطريز بالخيوط الذهبية والفضية، وارتبطت بأنواع الماكينات، منها الجورجية والفرنسية المصدفة والصينية واليابانية والألمانية.
أدوات الأغباني
وتطرق الباحث بالشرح المفصل مع الصور إلى الأدوات المستخدمة بصناعة الأغباني مثل المكوك والكركر والطيار الخشبي الذي توضع شلة الحرير حوله، لكي يسهل لف الحريربالكراكر الخشبية عن طريق دولاب يسمى المكب.
الطباعة على القماش
وفي القديم كانت تتم طباعة القماش على الحجر والرمل ومن ثم استخدمت القوالب النحاسية والقوالب الخشبية، وفق معدات الطباعة الاصطمبا والطاولة المستطيلة والفرشاة والطبق وقطعة شاش توضع فوق الطبق والقالب الخشبي لأشكال متعددة، منها عرق الورد والفراشة والشمعة وغيرها.
ثم شرح برهوم جزئيات وتفاصيل العمل الصعب على الماكينة الذي تطور أيضاً بتركيب محرك كهربائي صغير “موتور”.
منتجات الأغباني
أما قطعة القماش التي يتم شغل الأغباني عليها، فتسمى بطقم بقياسات صغيرة عدة وكبيرة ومحارم للمائدة، إضافة إلى الشراشف واللفات حول الطرابيش والمناشف وأقمشة الفساتين والعبي والسراويل، تنفذ برسوم الطرش أو الرش ـ الفراغات- أو الطلس ـ المليان- والكريستال ـ النافر-.
توزيع الأغباني
ثم انتقل الباحث إلى أهم تجار وموزّعي الأغباني ويسمى “الشغال”، وانتشرت ورشات عمل الأغباني في بيوت دوما وبالتواصل مع تجار سوق الحميدية وسوق الحرير، وكانت الشغالات الدوامنة تسلمن المشغولات في دمشق، أو عن طريق البيوت المخصصة لتسليم واستلام الشغل من الشغالات ومحاسبتهن في دوما، منها بيت الواوي والغزاوي وسريول والدرة وغيرها.
كما انتشرت ورشات الصيانة، وكان يطلق على من يقوم بإصلاح الماكينات بالبندقجي.
دور الأغباني بالريف
وخلال المحاضرة، أكد برهوم ضرورة الحفاظ على هذه الحرفة التي تعد من تراثنا اللامادي، مشيراً إلى أنّه اليوم يتم إحياء هذه الحرفة، التي كان لها بالماضي دور كبير بالمجتمع الريفي، فشغالة الأغباني على الرغم من قلة الأجر المادي الذي تحصل عليه كانت تساعد بتحمل أعباء الأسرة ومسؤولياتها وتنفق على زواج بناتها، أما الآن فأصبح الأجر زهيداً جداً ولا يكفي ما كان سبباً مباشراً لابتعاد الشغالات عن العمل.
ماكينة الأغباني تختلف
حفلت المحاضرة باستفسارات الحاضرين حول كيفية الطباعة والاختلاف بين ماكينة الأغباني وماكينة الخياطة، فعقب برهوم بأن العمل على ماكينة الأغباني أصعب من ماكينة الخياطة ويوجد اختلاف بينهما.