الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

خارج.. داخل البرْمَجة

عبد الكريم النّاعم

البرْمَجة، بطبيعتها، عملٌ مُنظَّم، يهدف للوصول إلى هدف ما، بيد أنّ ثمّة ما يُشبه البرمجة.. نقول “ما يُشبه” لأنّه ليس له غرض، بل تأتي أغراضه هكذا عرَضاً، والتكرار الذي نراه في بعض المقاطع فيه، أو نعيشه، فهو غير مقصود، أقول هذا مشيراً إلى أنّنا أصبحنا جماعة ما “ق. ك”، أي ما قبل كهربائيّة.

الكهرباء الآن تصلنا كل ستّ ساعات، مدّة أربعين دقيقة، قد تنقص قليلاً وقد تزيد، فلا ضابط لها، وعلى ضوء “تشريفها” نتحرّك في البيت، وهذا يشمل الأوقات التي خارج وقت النوم، بمعنى أنّ ثمّة غُبْناً، فهم يعدّون ساعات النوم من ساعات الكهرباء، وهذا لا ينفي أنّ ثمّة مَن يستيقظ ليلاً لعمل ما لا يُعمل من دون كهرباء.

تأتي السيدة المصونة فيمتلئ البيت بالحركة: شحن الموبايلات، تشغيل الغسالة، فتْح الكمبيوتر.. نتحرّك كما تتحرّك كائنات بافلوف التي أجرى تجاربه عليها في الفعل المنعكس الشرطي.

هل تكفي هذه الدقائق المكهربة لكتابة زاوية لا بدّ من إنجازها؟!!.

لديّ كتاب أنجزت معظمه في ظروف كانت أفضل كهربائيّاً، ولا أستطيع إكماله بسبب الكهرباء، ولستُ ممّن يستطيعون تركيب ألواح طاقة، فراتبنا، أنا وزوجتي، لا يسدّ الرّمق، بل نعيش لأنّ الموت لا يأتي.

ماذا تستطيع أن تتابع في دقائق السيدة الكهرباء من أحداث غزة التي سيشمل مصيرها الإقليم بكامله، ولاسيما أن الإخبار وحده لا يروي، بل لا بدّ من سماع بعض المحلّلين، وخاصة لمن أهمّته السياسة منذ بواكير وعيه.

تتصفّح الكمبيوتر فلا تستطيع قراءة المميَّز، الجميل، لأنّ عليك أن تتصفّح على طريقة “شوهد” المدرسيّة، عبر الإعجابات المُرتجَلَة.. ثمّة نصوص لشعراء، وأدباء، وأصحاب أفكار جديرة بالقراءة لما فيها من قيم فكريّة وجماليّة وفائدة، فهل تفي هذه الدقائق “الممنوحة” لنا؟!!.

أذكر أنّ مسؤولاً رسميّاً وعَدَنا، كمواطنين، أن تتحسّن الكهرباء في النصف الثاني من عام 2023، وها نحن في النصف الأوّل من العام 2024، ونزداد عتْمةً.

حين تكون مُلاحَقاً ستظلّ مشغولاً باللّهاث، وقد تنسى الهدف الذي تجري في ميدانه.

ذات “فتْرة” قصيرة، كانت الكهرباء تأتي مدة ساعتين كلّ أربع ساعات، وكان الأمر شبه مقبول، حتى أنّ البعض عبّر فقال: “يا أخي أعمتْنا الكهرباء”!! هل نقول: “يا زمان الوصل”؟!!.

وذات زمن قال أحد المسؤولين، في ردّه على مسألة الأمبيرات، الشائعة في مدينة حلب،  وقد قيل إنّ ثمّة من يسعى لتعميم هذه المسألة، وإنّ ثمّة في الحكومة مَن يدعم هذا التوجّه، ويومها قال مسؤول أنْ لا صحّة لذلك، وليس ثمّة أيّ توجّه رسمي بهذا الصدد، وكان المُثار على صفحات التواصل الاجتماعي أنّ موجة “الأمْبرة” ستُغرق ما عداها، وحين جاء النفي رسميّاً اطمأنّت نفوس أقلقها أن تتحوّل حاجات الناس الأساسية فتُنقَل لأيدي تجار لا يشبعون، وما أعاد ذلك الذّعر ما قرأته على صفحة الجوال، خلاصته أنّ محافظة دمشق قد حدّدت تسعيرة الأمبير، وعلى بقيّة المحافظات أن تقرّر ما يناسبها، إنّ هذا يعني أنّ المسألة ليست مسألة توقّعات، أو تخوّفات، بل هي واقع رسمي.

حين ذكرتُ ذلك لصديق زارني قال: “أين المشكلة؟ ماذا نفعل بالأموال المتراكمة في جيوبنا؟!! أليست رواتبنا يزيد أكثر من نصفها عن حاجاتنا”؟!! وبلع ريقه ودارت عيناه في السقف كمن أصابه مسّ.

زمن “الأَمْبرة” قادم.. لن أناقش.. لكنّني أذكّر بأنّ المُصاب الذي أصابه طلْق ناريّ يحتاج إلى إنقاذ قبل البحث في أسباب الإصابة.

aaalnaem@gmail.com