اقتصادصحيفة البعث

“اقتصاد المخالفات” لا ينعش الإنتاج!

قسيم دحدل

في خضم استمرار ارتفاع أسعار الوقود، وازدياد التضخم وتوالي الارتفاعات في أسعار جميع المواد والخدمات، وبالتالي اتساع الفجوة أكبر وأكبر بين الدخل والإنفاق، وصولاً إلى وقوع العجز في تلبية الاحتياجات، سواء على صعيد الدولة أو المواطن.. في خضم ذلك يطالعنا خبر “إقرار مجلس الشعب لمشروع قانون يسمح بإدارة واستثمار الأموال المصادرة بحكم قضائي”.

الخبر والذي نسمح لأنفسنا اعتباره بصيص ضوء يخرق المساحة الشاسعة من ظلمة مشهدنا الاقتصادي، يقتضي الكثير من التوضيح والشفافية والمصداقية لجهة الإعلان أولاً عن كمِّ الأموال المصادرة سنوياً، وكيفية إدارة تلك الأموال وفي أي المجالات والقنوات الاستثمارية سيتمّ توظيفها.. وقبل هذا وذاك التأكد من الجدوى الاقتصادية والمالية لتشغيل تلك الأموال، بعيداً عن التجريب الذي أصبح السمة الطاغية على قراراتنا واستثماراتنا، التي لم نَنَلْ منها سوى النكسات المتتالية، وأكبر دليل على ذلك مؤسّسات وشركات قطاعنا الصناعي العام التي تحولت بفعل فاعل إلى استثمارات عرجاء يحمل “رابحها النسبي” على قلته، خاسرها المطلق على كثرته!!.

من المؤكد أن الأموال المصادرة -موضوع هذا المقال- تُقدّر ليس بمئات الملايين، بل بمئات المليارات، وهذه الأخيرة إذا ما احتُسبت مع مئات المليارات الناتجة عن المخالفات المختلفة، كمخالفات السير والتموين مثلاً لا حصراً، ستشكل كتلة مالية ضخمة جداً، وهذه الكتلة إن لم يكن هناك أدوات تشريعية محدّدة بدقة تحميها وتضبطها، وبنى تحتية مهيأة لترجمتها على أرض الواقع، ومشاريع إنتاجية ذات قيم مضافة لاستثمارها وإنجاحها، وبإمكانها تحقيق التنمية الاقتصادية قبل النمو الاقتصادي، فلا شك أن النتيجة ستكون كما كانت حال أموال الموازنات الاستثمارية التي كانت ترصد سنوياً للوزارات وجهاتها، لكن ورغم هذا آلت إلى لا شيء، وأكبر دليل على ذلك أيضاً، النسب المُخجلة لتنفيذ مشاريعنا العامة!!.

إن نحو 359 مليار ليرة حصدتها “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” من المخالفات التموينية في العام الماضي 2023 مثلاً، لا تعني أبداً أنها أموال إنتاجية، أي ناتجة عن مشاريع اقتصادية تنموية، توصلنا إلى ما نصبو إليه من انتعاش اقتصادي، إنما تعني أننا في أزمة اقتصادية خانقة تدلّ على أننا نعاني من “اقتصاد المخالفات” إن جاز لنا التعبير، وهذا النوع من “الاقتصاديات” لا يبني دولة ولا يشجع استثماراً ولا يجذب رؤوس الأموال، لأنه يوصل رسالة سيئة مفادها أن حكومتنا حكومة جباية أموال لا أعمال وجودة إنتاج، وشتان ما بين هذا وذاك!!.

Qassim1965@gmail.com