دراساتصحيفة البعث

على مَن يقع عبء إدارة تغيّر المناخ؟

هناء شروف

في الأعوام الأخيرة دأبت البلدان المتقدمة على انتقاد البلدان النامية لعدم بذلها القدر الكافي من الجهود الشاملة لخفض الانبعاثات وبطء تحوّلاتها في مجال الطاقة، في حين تجاهلت الصعوبات الفعلية التي تواجهها البلدان النامية. وحتى دول الاتحاد الأوروبي التي تعدّ “نماذج” للتنمية العالمية المنخفضة الكربون وتحويل الطاقة، يتعيّن عليها تعديل استراتيجياتها القصيرة المدى لتحويل الطاقة لإعطاء الأولوية لإمدادات الطاقة عند مواجهة تأثيرات أزمة الطاقة. تهدف التنمية المستدامة للأمم المتحدة إلى ضمان حصول الجميع على الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة بأسعار معقولة، مع القضاء على جميع أشكال الفقر في جميع أنحاء العالم، وهذا يمثل تحدّياً هائلاً للبلدان النامية.

في الوقت الحاضر لا تزال البلدان النامية في مرحلة التصنيع والتحضّر السريعين ما يؤدّي إلى طلب كبير على الطاقة. قد يؤدّي دفع تحوّل الطاقة بسرعة إلى نقص إمدادات الطاقة وارتفاع تكاليف التحوّل، ويشكل هذا تحدّياً كبيراً لبعض البلدان المحرومة اقتصادياً. لذلك يتعيّن على البلدان المتقدمة التي تتمتع بمستوى عالٍ من التنمية وكانت تاريخياً المصدر الرئيسي لانبعاثات الغازات الدفيئة، أن تتولّى القيادة والمسؤولية في معالجة تغيّر المناخ لأسباب كثيرة، منها الثورة الصناعية والأنموذج الاقتصادي الواسع النطاق في التاريخ، حيث أطلقت البلدان المتقدمة كمياتٍ كبيرة من الغازات المسبّبة للانحباس الحراري العالمي، وتعدّ هذه البلدان مسؤولة رئيسة في ظاهرة الانحباس الحراري العالمي. وهذه المسؤولية التاريخية تجعل من الضروري عليها أن تزيد من جهودها لخفض الانبعاثات، وأن تأخذ زمام المبادرة في معالجة تغيّر المناخ. وفي الوقت الحاضر وباستثناء بلدان الاتحاد الأوروبي، فإن الأهداف الإجمالية لخفض الانبعاثات في الاقتصادات المتقدمة الأخرى متحفظة وحتى بعض الدول ليست حازمة في موقفها من قضية تغيّر المناخ، وتستخدم هذه القضية ورقة سياسية ودبلوماسية مع تغيّرات سياسية متكرّرة.

وفي المرتبة الثانية، يتعيّن على البلدان المتقدمة أن تعمل على توفير التكنولوجيات الخضراء والمنخفضة الكربون ودعم تمويل المناخ لمساعدة البلدان النامية بشكل فعّال على تحقيق تحوّلها إلى اقتصاد منخفض الكربون، وفي مجالات تحوّل الطاقة والتكيّف مع المناخ تتمتع البلدان المتقدمة بتكنولوجيا وخبرة متقدمة نسبياً في صياغة السياسات وإدارتها، ويمكنها تقاسم الموارد بشكل كامل من خلال إنشاء آليات تعاون لمساعدة البلدان النامية على التعامل بشكل أكثر فعالية مع تغيّر المناخ. على سبيل المثال من الممكن أن تستمرّ آليات الامتثال المرنة مثل آلية التنمية النظيفة، ومن خلال آلية النقل الدولية هذه تستطيع البلدان النامية الحصول على الدعم المالي والفني من البلدان المتقدمة استناداً إلى انخفاض تكاليف خفض الانبعاثات لديها، كما تستطيع البلدان المتقدمة أيضاً تحقيق خفض الانبعاثات من خلال تكلفة أقل. وأخيراً يتعيّن على البلدان المتقدمة أن تتخلى عن العقوبات الأحادية الجانب المتمثلة في تعريفات الكربون التي قد تزيد من الصعوبات التي تعترض الحدّ من تخفيض الكربون في البلدان النامية وتبطل في واقع الأمر الغرض من تعريفات الكربون.

لقد خطّطت الاقتصادات المتقدمة ممثلة بالاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لتنفيذ سياسات تعريفة الكربون. دخلت آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) التابعة للاتحاد الأوروبي حيّز التنفيذ منذ تشرين الأول 2023. والاتحاد الأوروبي مصمّم على استخدام آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) للحدّ من مخاطر تسرّب الكربون وتحسين القدرة التنافسية لمؤسساته العالية الكربون ذات الصلة. ومع ذلك بمجرد تنفيذ تعريفة الكربون سيكون لها تأثير مهم في التجارة العالمية للمنتجات العالية الكربون وستجلب تكاليف إضافية للسلع العالية الكربون التي تصدّرها البلدان النامية إلى أوروبا، وستقلل من القدرة التنافسية للصناعات ذات الصلة في البلدان النامية، وستزيد عبء خفض الانبعاثات وتؤثر في النمو الاقتصادي والحدّ من الفقر في البلدان النامية.

خلاصة القول، تواجه البلدان النامية مفاضلاتٍ صعبة بين تحقيق النمو الاقتصادي السريع والتصدّي لتغيّر المناخ، وهي في حاجة ماسة إلى الدعم المالي والفني من البلدان المتقدمة. لكن في الواقع فشلت الدول المتقدمة في تحمّل مسؤولياتها، بل مالت إلى التخلي عن التعاون والسعي إلى الأحادية. إن التصدي لتغيّر المناخ هو الهدف والمسؤولية المشتركة للبشرية، ومن أجل ضمان التنمية المستدامة يجب على المجتمع الدولي الاهتمام بالتحدّيات والصعوبات المعقدة التي تواجهها البلدان النامية في العمل المناخي ودعوة البلدان المتقدمة إلى لعب دور أكثر نشاطاً في إدارة المناخ العالمي.