دراساتصحيفة البعث

أين يقف الاقتصاد الأمريكي من السباق الرئاسي؟

ريا خوري

بعد انتهاء الدورة الرئاسية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وفوز الرئيس الحالي جو بايدن، بدأت الدراسات الاقتصادية والسياسية والأمنية تقارن حالة الوضع الاقتصادي الأمريكي بين الفترتين، حيث تجلّى الدور الترامبي في عملية إنعاش الوضع الاقتصادي ودور الناخبين الحاليين في عملية اختيار الأنسب لقيادتهم. وقد دلّت المعطيات والمعلومات الاقتصادية والبيانات التجارية على أنَّ الاقتصاد الأمريكي توقف بشكلٍ كبير في ربيع عام 2020 بسبب انتشار فيروس كورونا، ونتيجة ذلك ساد الاعتقاد أنَّ إعادة الاقتصاد كما كان قبل الجائحة شبه مستحيلة، وخاصة بعد أن وصل معدَّل البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر كانون الثاني عام 2021م إلى ما نسبته 6.04%، ارتفاعاً من 3.5% قبل تفشي الوباء. وكان الرقم الأكثر إثارة للدهشة واللافت لدى الخبراء الاقتصاديين معدَّل العمالة، أي حساب النسبة المئوية للذين حصلوا على وظائف، التي انخفضت من 61.1% إلى 57.4% للفترة الزمنية نفسها، وهو مستوى أقل من أدنى نقطة عرفها الاقتصاد الأمريكي في أثناء الركود الكبير. آنذاك، كان عدد الأشخاص الموظفين أقل بما يقرب من ثمانية ملايين مواطن أمريكي عما كان عليه قبل جائحة كوفيد 19 (كورونا)، حسب مقياس الوظائف الصادر عن مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة.

لم تتمكّن الولايات المتحدة من استعادة الوظائف التي فقدتها، وخاصة أنَّ الاقتصاد الأمريكي خسر نحو مئتين وثمانية وستين ألف وظيفة في شهر كانون الأول 2020م، في حين كان متوسط معدَّل إيجاد الوظائف في الأشهر الثلاثة الأخيرة من إدارة الرئيس السابق ترامب مائة وستة وثلاثين ألف وظيفة فقط. فكيف بدا العالم عندما ترك ترامب البيت الأبيض؟.

الجدير بالذكر أنّ البيانات والمعطيات الصادرة في الربع الأخير من عام 2020م  تؤكد أنَّ الاقتصاد الأمريكي ما زال في حالة اختناق نتيجة عمليات الإغلاق لمعظم فعاليات التجارة والاقتصاد التي انعكست على الحياة العامة للمواطن الأمريكي   وأدّت إلى انخفاض نسبة الاستهلاك التي وصلت إلى ما نسبته 0.8%، قد حوَّلت واقع الإنتاج إلى واقع اقتصادي أي من حالة الخدمات إلى حالة السلع، مقارنة بعام 2019م. وبناءً على ذلك انخفض الإنفاق المعدَّل حسب التضخم في الخدمات ما نسبته 21.5% و47.7% على التوالي في الربع الأخير من عام 2020 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، حيث قلّص الناس مشاركتهم في الفعاليات العامة وحالات الترفيه المعتادة، وانخفض السفر الجوي بنسبة 52.4%. في تلك الأثناء وجدنا ترامب يتباهى وأنصاره بما أنجزوه من تحقيقهم أرخص سعر للغاز الذي كانت تنعم به الولايات المتحدة عندما كان في البيت الأبيض، فقد انخفضت أسعار الغاز إلى أقل من دولارين للجالون في ربيع عام 2020 عندما تمّت محاصرة الاقتصاد الأمريكي إلى حدٍ كبير، على الرغم من أنه ارتفع أكثر من 2.3 دولار للجالون الواحد بحلول الفترة التي ترك فيها ترامب البيت الأبيض. لكن، لم يكن سبب انخفاض الأسعار لغزاً أو سراً، فقد حدث ذلك بسبب الانهيار الكبير للطلب على المحروقات في الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم للأسباب ذاتها المرتبطة بجائحة كوفيد 19. وفي الربع الأخير من عام 2020م، كان استهلاك الغاز في الولايات المتحدة لا يزال أقل بنسبة 12.5% عمّا كان عليه قبل الجائحة.

وفي حقيقة الأمر، كان من المرجَّح أن تهبط أسعار الغاز إلى مستويات أقل في تلك الفترة لولا الخطوات التي اتبعها ترامب، الذي كان يتباهى بها حينها. وقتها، زعم ترامب أنَّه توصل إلى اتفاق مع روسيا الاتحادية ومنظمة أوبك لخفض الإنتاج ومنع أسعار الغاز من الانخفاض أكثر من أي وقتٍ مضى. وكانت التخفيضات الحادَّة في الإنتاج عاملاً رئيسياً ومهمّاً في ارتفاع الأسعار عندما بدأ الاقتصاد الأمريكي في العودة إلى طبيعته بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، حيث لا يمكن استئناف إنتاج النفط على الفور. ومع انتهاء ولايته الأولى مطلع عام 2021م دون تمكّنه من تجديد ولاية ثانية، سلّم ترامب الرئيس المنتخب بايدن اقتصاداً خاسراً ومتراجعاً ومتضرّراً بشكل غير مسبوق. وهنا يمكن للجميع افتراض أن المشكلات الاقتصادية  والمعوقات التي عانتها الولايات المتحدة في حقبة ترامب كانت بسبب جائحة كورونا، لا لسوء الإدارة. لكن تأثير الجائحة السلبي لم ينتهِ في 21 كانون الثاني، والعقبات الهائلة التي خلّفها، والمرتبطة به شخصياً، هي السبب الرئيسي اليوم وراء المعاناة الاقتصادية في الولايات المتحدة، من نوبةٍ كبيرة من التضخم النقدي في عامي 2021 و2022م، شأنها شأن كل دولة تملك قوة اقتصادية كبيرة في العالم.

لقد أجمع مناصرو بايدن على أنّ النتائج الاقتصادية في العام الأخير من إدارة الرئيس ترامب كانت سيئة جداً، والقراءات الأخيرة تؤكد أنَّ الناخب الأمريكي ربما يملك القدرة على مسامحة ترامب أكثر من بايدن، على الأضرار التي ألحقتها الجائحة بالاقتصاد، لكنه تفسير لا يستند إلى الواقع في حياة المواطنين الأمريكيين، أو حالة (التجربة المعيشية) حسبما ورد في المصطلح العصري في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وهذا يعني أن الأمريكيين، يمكن أن يدركوا بشكلٍ (عصري) في وقتنا الحالي أن يسامح ترامب على الحالات الصعبة والعوائق التي واجهها نتيجة للجائحة، لكنهم من المؤكد لن يفعلوا ذلك مع بايدن، وهذا جزء كبير من حالة التنافس بل الصراع بين المرشحين للرئاسة الأمريكية ترامب وبايدن، وخاصة بعد أن حصل ترامب على أصوات 52% من الناخبين في أولى جولات الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في أكثر من ولاية.