ثقافةصحيفة البعث

الدكتور محمود السيد يقلّد الأستاذ الدكتور نضال شمعون شعار مجمع اللغة العربية

ملده شويكاني

بقدر لغات المرء يكثر نفعه

فتلك له عند الملمات أعوان

هذا ما استحضره الدكتور محمود السّيد رئيس مجمع اللغة العربية من شعر صفي الدّين الحلي، في جلسة استقبال الأستاذ الدكتور نضال شمعون المدّرس والباحث العلمي والمؤلف والكاتب والمترجم والإداري والموسيقي، ليكون عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية، خلفاً لعضو مجمع اللغة العربية الرّاحل الدكتور موفق دعبول، في جلسة علنية في مقرّ المجمع، وبتفاعل الحاضرين بالتصفيق قلّده الدّكتور السيد شعار المجمع.

وتحدث الدّكتور السّيد: “إذ انتخب مجلس المجمع في جلسته المنعقدة يوم الأربعاء في العشرين من شهر أيلول الماضي عام 2023، الأستاذ الدّكتور نضال شمعون عضواً عاملاً في المجمع، وصدر باعتماد انتخابه المرسوم الجمهوري رقم اثنين وستة وسبعين-276- في الخامس من الشّهر الحادي عشر من عام 2023”.

ورحّب الدّكتور السّيد بانضمام الدّكتور شمعون إلى أسرة المجمع، لما يتحلّى به من سيرة علمية بهية وسيرة مناقبية يشهد له فيها كل من عرفه، وتوقّف عند قدرة شمعون على اكتساب اللغات وتنوع الاهتمامات العلمية، إذ عاش في أحضان أسرة يتكلّم فيها والده السّوري الأصل اللغة العربية، وتتكلّم فيها والدته الصّينية الأصل اللغة الصّينية، فكانت كلّ من هاتين اللغتين لغة أمّ له في طفولته، وساعده ذلك على أن يتكلّم ثماني لغات أجنبية إلى جانب العربية والصّينية، “وكما يقول فإنّه يتكلم الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، والإسبانية والإيطالية بدرجة جيّدة، والرّوسية والسّريانية بدرجة متوسطة، ويتكلّم قليلاً اللغتين الألمانية والبرتغالية”.

مجال علمي فسيح

كما تعدّدت الاختصاصات التي تابع دراسته العليا بها، فنال دبلوماً في الهندسة الكهربائية والإلكترونيات من جامعة باريس، ودبلوم دراسات متقدمة في الرّياضيات، وحصل على الماجستير فيها من جامعة كامبردج، ثم شهادة الدّكتوراه في الفيزياء النّظرية من جامعة أوكسفورد عام 1996، أمّا الميدان العلمي العملي الذي يجول فيه، ففسيح الجنبات في الفيزياء النّظرية والرّياضيات والهندسة والمعلوماتية والتّقانة، وتعددت إنجازاته في مناحيها تدريساً وبحثاً وترجمة وإدارة.

كما نوّه الدكتور السّيد بفكرة مهمّة هي أنّ الدّكتور شمعون ظلّ ملتزماً بلغته العربية الأمّ، ومسهماً في إغنائها بالمصطلحات العلمية الجديدة، وقد أثمرت جهوده أثناء عمله خبيراً في المجمع.

تواضع العلماء

كما قدّم الدّكتور عماد الصّابوني في كلمته سيرة تفصيلية عن مراحل حياة الدّكتور نضال شمعون، مختاراً أكثر الإنجازات أهميةً على مدى العقود الأربعة الماضية، ومبتدئاً بـ”كان نضال شمعون زميلاً لي في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتّكنولوجيا، لم أعرفه في أيّام الدّراسة طالباً، لكنني عرفته بعدها مدرّساً وباحثاً، فكان يتحلّى بما يتحلّى به العلماء من تواضعٍ وتفانٍ في العمل”.

وتابع: “ولد نضال شمعون في الخامس من حزيران عام 1968، وبعد الشّهادة الثّانوية انتسب إلى المعهد العالي للعلوم التّطبيقية والتّكنولوجيا في عام 1985، ثم أوفد إلى فرنسا ليتمّ دراسة الهندسة في مدرسة السنترال، ونال الإجازة فيها عام 1991، ثم دبلوم الدّراسات المعمقة في الإلكترونيات من جامعة باريس السّادسة، كما تابع دراسته الجامعية في بريطانيا في مجالات الرّياضيات والفيزياء النّظرية، فحاز في عام 1993شهادة الماجستير في الرّياضيات بدرجة امتياز من كلية ترينيتي هول في جامعة كامبردج، كما نال درجة الدّكتوراه في الفيزياء النّظرية في كلية وولفسن في جامعة أكسفورد، ثمّ عاد إلى سورية في عام 1996، ليعمل باحثاً ومدرّساً في المعهد العالي للعلوم التّطبيقية والتّكنولوجيا، ورُقّي إلى مرتبة مدير بحوث.

الترجمة والتأليف والمقالة

وتابع الدّكتور الصّابوني الحديث عن الأعمال العلميّة والإداريّة المتنوّعة التي تولّاها، وعن نشر ما يربو على أربعين نشرة ومقالة في مجلات علمية مرموقة، وألّف كتباً وأمليات عدّة في مجالات اختصاصية لجامعة دمشق وللمعهد العالي للعلوم التّطبيقية والتّكنولوجيا، وترجم إلى اللغة العربية ثمانية كتب عن الإنكليزية والفرنسية، وهو عضو في إدارة تحرير عدد من المجلات العلمية، وحصل على عدد من المنح البحثية العالمية، وعلى عدد من الجوائز الدولية، بالإضافة إلى كونه موسيقياً حصل على دبلوم المعهد العربي للموسيقا في دمشق، وعلى دبلوم إنهاء الدّراسة من تجمع معاهد أعالي السن في فرنسا للعزف على البيانو، ويعزف أيضاً على الفلوت والأورغن.

استنباط مصطلحات وتعابير

واتسمت الكلمة التي ألقاها الدّكتور شمعون بالسّردية الوجدانية، بالإضافة إلى التّوثيق العلميّ لمسيرة عضو المجمع الرّاحل الذي أحلّ محله الدّكتور موفق دعبول، فبعد أن شكر أعضاء المجمع وأمين المجمع الأستاذ الدّكتور مكّي الحسني الذي اقترحه لهذه المهمة المشرّفة من خلال العمل بمساعدة الأعضاء اللغويين والعلميين على استنباط مصطلحات وتعابيرعلمية مناسبة في مجال الفيزياء والرّياضيات والهندسة، تبيّن غنى اللغة العربية وقدرتها على التّوسّع والتّكيّف وعلى استيعاب العلوم الحديثة.

وتابع الحديث عن الدّكتور دعبول الذي تم انتخابه عضواً عاملاً في المجمع عام اثنين وألفين: “شاءت الظّروف أن ألتقي به مدة غير طويلة قبل أن يحين أجله، على حين كنت أسمع الكثير عنه منذ شبابي، استعنت بكتاب محطات من عبق الياسمين بجزأيه الذي كتبه هو وأولاده، وبمقابلات متلفزة موجودة على الشّابكة، بالإضافة إلى الملاحظات التي زوّدني بها من درّسهم، ومنهم من كنتُ طالباً عنده، وأخص بالشكر أستاذي الدّكتور بشير قابيل”.

عشقه للرياضيات

ومن ثم سرد سيرة حياة الدّكتور دعبول الحافلة بالإنجازات ابتداءً من ولادته عام ستة وثلاثين وتسعمئة وألف في حيّ الميدان في دمشق، إلى أن سجّل في كلية الطّب، لكن عشقه للرياضيات دفعه إلى تركها والانتساب إلى كلية العلوم، ثم حاز على الإجازة في العلوم الرياضية والفيزيائية من جامعة دمشق، وأوفد إلى جامعة فيينا التقنية وأنجز أطروحته في ميكانيك السوائل، وحصل على الدكتوراه في العلوم الرياضية بدرجة امتياز عام 1961 ثم عاد إلى الوطن، وأصبح مدرساً عضو هيئة تدريسية في كلية العلوم.

جمعيات شرعية وخيرية

وتدّرج بالمهام الإدارية وكان أحد مؤسسي الجمعية السّورية للمعلوماتية، وتبوأ منصب رئيسها عام 2003، وبقي مدة أربع سنوات، وشغل منصب رئيس تحرير مجلة الثّقافة المعلوماتية منذ إصدارها حتى وفاته، كما ساهم بإصلاح جمعيات شرعية وخيرية مثل جمعية رعاية المساجين وأسرهم، وبعد التّقاعد تبوّأ مناصب في الجامعات الخاصة، واقترح شمعون أن يُسمّى أحد مدّرجات جامعة دمشق أو جامعة القلمون باسمه.

فصاحته وإتقانه العربية

وانتقل الدّكتور شمعون إلى عشق الدّكتور دعبول للغة العربية الذي يعود إلى نعومة أظفاره وبعد سنوات من المراقبة والتتبع أعجب بفصاحته الدكتور شاكر الفحام، واقترحه ليغدو عضواً في مجمع اللغة العربية، فكان أوّل رياضياتي ينتخب في المجمع منذ تأسيسه، كما توقّف عند إنجازات الفقيد بلجان المجمع العلمية إذ ترأس لجنة معجم الرّياضيات، وتوّج عمله بإصدار المعجم بـ774 صفحة تتعرّض لأغلب مواضيع الجبر والهندسة والتحليل الرياضي.

ليصل الدّكتور شمعون إلى الخطوة الأولى التي يطمح إليها بعد انتخابه بكتابة سلسلة تخصصية بالعربية في مجال الرّياضيات والفيزياء النّظرية، يمكن اعتبارها تتمة لمؤلفات الفقيد دعبول في أساسيات الرياضيات والميكانيك، مضيفاً: “لابدّ من التّصدّي لمهمّة إيجاد مصطلحات علمية للتّعابير المتقدّمة، وذلك باعتماد مقاربة تقوم على قواعد عامة منهجية ومبتكرة أحياناً”.