رأيصحيفة البعث

واشنطن من مأزق إلى آخر

طلال ياسر الزعبي

بعد تدخّلها الغبيّ وغير المحسوب العواقب من خلال قصفها مواقع عسكرية في اليمن، وتأليب الشارع اليمني بأكمله عليها، وعلى تابعتها بريطانيا، ها هي الإدارة الأمريكية تعود من جديد لترتكب الحماقة ذاتها على الساحتين العراقية والسورية.

وربّما ظنّ صانع القرار الأمريكي المدفوع قسراً من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، أن باستطاعته استخدام القوة بشكل مباشر لردع اليمن أو غيرها من دول محور المقاومة عن الاستمرار في دعم الصمود الأسطوري للمقاومة البطلة في غزة، التي مرّغت أنف الاحتلال الصهيوني وأجبرته على البحث عمّن ينزله من الشجرة، ولكنها عبثاً تحاول رقع هذا الخرق الكبير الذي أحدثته بسياساتها الهستيرية، حيث لم تدعْ مجالاً حتى لحلفائها للدفاع عنها أو تغطية تصرّفاتها الحمقاء، بل دفعت أقرب حلفائها في المنطقة إلى التهديد بإلغاء اتفاقيات التطبيع تحت ضغط غضب الشعوب من بحر الدماء الذي تشرف على إسالته في غزة، ولم تعُد لأحد أيّ حجّة في الدفاع عن هذه السياسة التي تتبعها في التعامل مع القضية الفلسطينية، بل تراجع مستوى التأييد لعمليات التطبيع الجارية في المنطقة إلى أدنى مستوياته.

فاليمن الذي كان إلى وقت قريب يعاني انقساماً داخلياً على خلفية العدوان الذي تعرّض له خلال السنوات الماضية، بات اليوم أقرب إلى الوحدة والتضامن مع قيام كل من واشنطن ولندن بالاعتداء عليه، فقط لأنه يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وإيقاف الإبادة الجماعية التي يقوم بها الجيش الصهيوني هناك، وربّما تتجلّى الآن الوحدة الوطنية في أبهى صورها في اليمن.

وفي المقلب الآخر، لم تترك الاغتيالات المتكرّرة التي تقوم بها القوات الأمريكية في العراق مجالاً للحكومة العراقية حتى تستمرّ في تغطية الاتفاقية الموقّعة مع ما يسمّى “التحالف الدولي” هناك، بل إنها دفعت القوات المسلحة العراقية دفعاً إلى القول بأن “القوات الأمريكية تكرّر وبشكل غير مسؤول ارتكاب كل ما يقوّض التفاهمات والحوار الثنائي بين البلدين”، وهذا بحدّ ذاته يعدّ تصريحاً غير مسبوق في هذا الشأن من الحكومة العراقية، ليس لأنه وصّف ما يجري على أنه عملية اغتيال واضحة المعالم فقط، بل لأنه أشار صراحة إلى إمكانية التصادم الفعلي بين القوات المسلحة العراقية والجيش الأمريكي، وهذا يعني أن الحكومة العراقية تقترب من توصيف الجيش الأمريكي على أنه جيش احتلال، وبالتالي فإنها تلتقي مع توصيف المقاومة العراقية له في هذا الشأن.

ومن هنا، فإن تصريح القوات العراقية هذا إنّما يمثّل الحالة النهائية التي توصّلت إليها الحكومة العراقية في مناقشتها للوجود الأمريكي على أرض العراق، بل إنه يؤكّد أن الخيارات أمام الحكومة أصبحت ضيّقة جداً في مناقشة حالة الوجود الأمريكي على أرض العراق، فتهديد السلم الأهلي وخرق السيادة والاستخفاف بحياة الناس، والانحراف عن الأسباب التي وُجدت من أجلها القوات الأمريكية في العراق، كلّها أمور تؤدّي إلى نتيجة واحدة، أن الوجود الأمريكي غير شرعي وغير قانوني، وبالتالي مثل هذا الكلام سيمنح المشروعية الكاملة للمقاومة العراقية في إنهاء هذا الوجود.

إذن، تستطيع الإدارة الأمريكية دون أدنى شك، أن تدرك أنها من خلال انقيادها الأعمى وراء الحكومة الإرهابية الصهيونية، تنتقل من مأزق إلى مأزق، ومن مستنقع إلى مستنقع، وهي من خلال ممارساتها في كل من سورية والعراق واليمن، إنّما تجرّ على نفسها بركاناً يمكن أن ينفجر في أيّ لحظة على وجودها في المنطقة كلها.