اتهام الأونروا عملٌ ممنهج لنسف قضية اللاجئين
ريا خوري
ما زالت الولايات المتحدة ومعها الغرب الأوروبي يدعمان الكيان الصهيوني سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً وإعلامياً على أعلى المستويات، ويقفون ضد الشعب العربي الفلسطيني وقضيته العادلة.
وكان آخر ما أسفر به هؤلاء عن وجوههم القبيحة أن وقفوا ضد تقديم أي مساعدة للشعب الفلسطيني الذي يعاني أشدّ الظروف قساوةً، وخاصة بعد الاعتداء الوحشي على قطاع غزة وتدمير بنيته التحتية من مستشفيات ومدارس وجامعات ودور عبادة ومؤسسات. الموقف العدواني وغير الإنساني الأخير الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية ومعها تسع دول من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا وفنلندا وأستراليا وألمانيا وهولندا وسويسرا وإيطاليا، هو تعليق التمويل الحيوي لمنظمة الأونروا المسؤولة الأكبر منذ عام 1949 عن مساعدة اللاجئين الفلسطينيين ومصيرهم. فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في السادس والعشرين من كانون الثاني الماضي تعليق أي تمويلات إضافية مخصصة لوكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بشكلٍ مؤقت إلى حين الانتهاء من فحص تقارير تزعم مشاركة اثني عشر من موظفيها في عملية طوفان الأقصى التي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 تشرين الأول الماضي، دون أن تفتح تحقيقاً بذلك، بعدها اضطرّت الأونروا إلى إنهاء عقود تسعة موظفين تم الاشتباه بمشاركتهم القتال مع حماس واستشهاد الموظف العاشر، كما فتحت تحقيقاً رسمياً لتحديد المسؤوليات الحقيقية لعشرات الموظفين المستهدفين.
إنَّ هذا الإجراء الظالم يتساوق مع تجاهل تلك الدول استشهاد أكثر من مائة وخمسين موظفاً على يد قوات العدو الصهيوني في قطاع غزة، وهؤلاء يعملون في الوكالة في شتى المجالات، وهو أكبر رقم يتم تسجيله في صفوف موظفي هيئة الأمم المتحدة في حربٍ واحدة منذ تأسيسها، حيث تم اتخاذ القرار بتشكيلها بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن من كانون الأول عام 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجير نحو ثمانمائة ألف منهم، بعد قيام العصابات الصهيونية بالعديد من المجازر وعمليات الإبادة الجماعية.
الجدير بالذكر أنَّ وكالة الإغاثة الدولية بدأت عملياتها في الأول من شهر أيار عام 1950، حيث كان تأسيسها بناءً على قرار هيئة الأمم المتحدة رقم 194 الصادر بتاريخ 11/12/1948 الذي نصّ على إنشاء لجنة توثيق تابعة لهيئة الأمم المتحدة وتقرير وضع مدينة القدس في نظام دولي دائم وتقرير حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع، بحيث تؤدّي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل، والتعويض عليهم. وفي ظل غياب حل عملي وحقيقي لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، إبّان تأسيس دولة الكيان، عملت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبشكل متكرِّر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخر تمديد عمل للأونروا حتى 30 حزيران 2023. وبدأت وكالة غوث اللاجئين عملها بالفعل بتفويض عمل يصل إلى ثلاث سنوات قابلة للتجديد، على أن تشمل ولايتها تقديم برامج مساعدات غذائية وطبية وتعليمية واجتماعية وتوظيف لنحو سبعمائة ألف لاجئ فلسطيني في خمس أماكن تشمل قطاع غزة، والضفة الغربية، وسورية، والأردن، ولبنان.
ومع توسّع نطاق الخدمات التي تقدّمها الأونروا انخفضت نسبة المساعدات المقدمة من إجمالي ميزانيتها من واحد وستين بالمائة في عام 1960 لتصل إلى ستة بالمائة فقط، تلك المساعدات كانت مقابل السكوت وغضّ النظر عن حقوق الشعب الفلسطيني السياسية.
وقد استخدمت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورقة تمويل وكالة غوث اللاجئين للضغط على الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية في سياق طرحها لصفقة القرن والرفض الفلسطيني الحاد لها، فأعلنت عام 2018 وقف تمويل الأونروا بذريعة الحاجة إلى بديل أكثر فعالية في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين.
في الجانب السياسي، يسعى الكيان الصهيوني إلى إلغاء الأونروا لأنها تساهم في استمرارية القضية الفلسطينية وتذكّر العالم بضرورة تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم، كما يرى قادة الكيان أنَّ وجودها يساهم في تضخيم القضية الفلسطينية أمام العالم لأنها مستمرة في تسجيل أعداد اللاجئين التي وصلت إلى خمسة ملايين وخمسمائة ألف لاجئ وهو بدوره يعبّر أنّ تسجيل هذا العدد في السجلات الرسمية الدولية يؤكّد التهديد الديمغرافي في مواجهة (الأغلبية) اليهودية في الكيان. وبالتالي هي قضية شائكة ومعقّدة وغير قابلة للحل في أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين. ولذا يدفع قادة الكيان باتجاه دمج اللاجئين الفلسطينيين في أماكن إقامتهم، وبالأخص في دول الجوار الأردن وسورية ولبنان. ومن أجل تحقيق هذا المشروع قدَّمت مراكز الأبحاث والدراسات التابعة لمعهد (الأمن القومي الإسرائيلي) أربعة بدائل يأتي في مقدمتها تفكيك وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، ونقل ميزانيتها إلى حكومات الدول الثلاث المضيفة للاجئين. وكانت الدراسة التي صدرت تحت عنوان (سبعون عاماً للأونروا) قد اقترحت إعادة الهيكلة الوظيفية للأونروا، ونقل جميع ممتلكاتها وما يخصّها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كي لا يتم ذكر لاجئين فلسطينيين، كما ركّزت الدراسة على العمل على تجنيس اللاجئين الذي سيؤدّي بالطبع إلى سحب صفة اللاجئين الفلسطينيين في حال حصولهم على جنسية الدول المضيفة. كل ذلك من أجل أن يفقد الفلسطيني هويته الوطنية، وهي عملية ضغط على اللاجئين تمهيداً لدفع القيادة الفلسطينية للخضوع لقرارات غير متوازنة في أية مفاوضات مستقبلية وليفقد الشعب الفلسطيني حقه في العودة وإعادة ترتيب التغييرات الديمغرافية من جديد لتحقيق مشروع (يهودية الدولة).
في هذا السياق، دعا العديد من المسؤولين في هيئة الأمم المتحدة، ومنظمات الإغاثة الدولية، الدول التي علّقت دعمها للأونروا إلى إعادة النظر في قرارها لأن المساعدات تنقذ حياة نحو مليوني شخص في قطاع غزة. وكان الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إنغلاند قد قال: يجب عدم تسييس وكالة الغوث الأونروا ومعاقبة سكان قطاع غزة وتحديداً الأطفال. لأن ذلك سيؤدّي حتماً إلى انهيار العمل الإغاثي الإنساني برمّته في قطاع غزة. ولا تعتبر الاتهامات التي أبداها نتنياهو والقادة الصهاينة للموظفين في الوكالة الأولى من نوعها، فمنذ اندلاع الحرب الصهيونية الإجرامية على قطاع غزة دأب الكيان على اتهام موظفي الأونروا بالعمل لمصلحة حركة حماس للحدّ من استمرار عمل الوكالة الأممية وقدرتها على العمل.
إنَّ ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني والدول الغربية يندرج تحت عناوين شتى، منها انحدار الأخلاق والقيم الإنسانية، والتشدق الكاذب بالمناداة بحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وحرية الرأي والتعبير، وغير ذلك.