“التريث” حتى إشعار آخر…؟!
بشير فرزان
شغل نظام الحوافز على مدار العامين الماضيين مساحات واسعة داخل الحياة الرسمية والعامة، وكان له الأولوية في عمل وزارة التنمية الإدارية التي اعتبرته مشروعها الذي اجتهدت به وعملت على تيسير ولادته بعد مخاض طويل في أروقة النقاش والحوار والإقرار، حيث كان التبني الحكومي لهذا المشروع من أجل تحسين الواقع المعيشي في المنظومة الوظيفية. لكن، وبشكل مباغت، تمّ التريث بتنفيذ النظام النموذجي للتحفيز الوظيفي للعاملين في الجهات العامة بقرار حكومي تحت عنوان “عدم توفر الملاءة المالية للتنفيذ”، نظراً لاعتراض وزارة المالية التي كان لها اليد الطولى في إيقاف العديد من المشاريع تحت العنوان ذاته، كـ “قانون الوظيفة العامة” و”قانون التأمينات الاجتماعية”.
وطبعاً لن نكرّر ما قيل سابقاً في هذا الموضوع، بل سنعرض بعض التسريبات الصادرة عن الاجتماعات الأخيرة للجنة الحوافز والفريق الحكومي، وما دار فيها لناحية مناقشة الأنظمة التي تمّ إقرارها في مختلف الجهات والنكسة القانونية التي يمثلها موقف وزارة المالية، وخاصة بعد رصد المبالغ المخصّصة للحوافز من قبل الكثير من الوزارات والمؤسسات، بما يسقط حجة عدم توفر الملاءة المالية، ويضع وزارة المالية في موقف المعرقل، وفي الوقت ذاته المخالف، لأن بصماتها ما زالت واضحة على الأنظمة التي تمّ إقرارها.
والنقطة الثانية التي يعلو الصراخ ويحتدم الجدل حولها، وكانت سبباً في قرار التريث والمراجعة لكل الأنظمة التي أقرّت، وخاصة في وزارة النفط وغيرها، هي عدم تحقيق الهدف من الحوافز لمنحها بشكل اعتباطي وجماعي دون الأخذ بمعيار الإنتاجية، وما نتج عن ذلك من مخالفات للمرسوم، وذلك لعدم صحة التوزيع ومنح الحوافز بشكل كيفي وبنسبة واحدة للجميع، كما هو معمول به في الترفيعة السنوية التي تعطى بدرجة واحدة “9” للمنتج والعاطل عن العمل، وهذا أدى إلى تشكيل لجنة جديدة من أجل تقييم الأسس والمعايير لمنظومة عمل الحوافز التي تمّ العمل بها في عدد من المؤسسات ما بين 16 أو 18 مؤسسة، وهذه اللجنة المشكلة بالقرار رقم 3 تاريخ 1/ 2/ 2024 تضمّ وزيرة التنمية الإدارية ووزارة النفط والمالية وهيئة تخطيط الدولة والجهاز المركزي للرقابة المالية وأمانة مجلس الوزراء، ومدة عملها شهر من تاريخ إقرارها، ويلاحظ هنا استبعاد للعمال أي للاتحاد العام لنقابات العمال الذي يمثل بعضو في لجنة إقرار أنظمة الحوافز، وهذا ما يطرح العديد من إشارات الاستفهام؟!
بالمحصلة تتوحّد الآراء والمواقف على أن حساسية القضية ودقة التنفيذ تستدعي المزيد من الاهتمام، وذلك على قاعدة “المهم والأهم والطارئ الذي لا يحتمل التأجيل”، ولذلك لا بدّ من بذل جهود استثنائية وخطوات سريعة، فهناك إجماع على أن الواقع الوظيفي لا يحتمل المزيد من الانتكاسات. ورغم أن قرار التريث لا يخلو من الموضوعية، ولكنه بحاجة إلى بعض التعديلات والإجراءات التي ترسم معالم نجاحه بعيداً عن انتكاسات الحالات الارتجالية كونها لا تصيب الهدف بدقة تامة، وقد تقلّل أو تقلص من فرص النجاح المطلوبة في هذه الفترة المصيرية، والأصح هنا السعي والعمل على تصحيح الأخطاء التي نراها اليوم في غياب الإنتاجية مقبولة، ويمكن تجاوزها في الأيام المقبلة مع تسريع دوران عجلة الإنتاج والعمل في مختلف القطاعات وتجنيد كافة الإمكانيات في مسار التخفيف من تداعيات الوضع المادي المتهالك لمئات الآلاف من العاملين بأجر تحت مسمّى “موظف”.
وطبعاً لا نريد هنا إثارة المخاوف والقلق، ولكن نطالب بأدنى حدود الشفافية وتقديم التوضيحات الحقيقية دون الدخول في متاهات غير محمودة العواقب بارتداداتها على المجتمع الإنتاجي الذي يطالب اليوم بالاستنفار والوعي دون أن تقدّم له يد العون، ولذلك لا بدّ من العمل السريع على الإيجابية وضخ الشحنات التفاؤلية والاستغناء عن توجيه الصفعات المفاجئة لما تسبّبه من حالة إرباك، والأسلم تفعيل العلاقة ما بين الشركاء لتكون أكثر متانة لمواجهة التحديات بكل أصنافها.. فهل يجمّد قرار التريث، أم تغلق البوابة أمام أي تحسّن معيشي أو وظيفي؟ وهذا الخيار سيكون محفوفاً بالمخاطر كونه يهدّد استمرارية المنظومة الوظيفية وفقدان اليد العاملة تحت ضغوط الأعباء المادية المعيشية؟!.