ثقافةصحيفة البعث

بأشهر مؤلفاته.. تأبين نوري إسكندر في دار الأوبرا

ملده شويكاني

“استحقّ نوري إسكندر، بجدارة، لقب موسيقار سوري عالمي”، هذا ما قالته الدّكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة في حفل تأبين الموسيقار الراحل إسكندر في دار الأوبرا، بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته، وذلك بحضور رسمي وجماهيري، ومرافقة الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، وبمشاركة محمد عثمان (عود وبزق) ومحمد نامق (تشيللو) وغناء لاميتا يشوع، بالإضافة إلى الكورال المشترك الذي جمع بين كورال المعهد العالي للموسيقا وكورال الحجرة وجوقة الفرح.

المعادلة الصعبة
وتحدّثت مشوح عن الفقيد الذي ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الموسيقا العربية، فهو علم من أعلام سورية، ومن رموز إبداعها المعاصر المتجذّر بالقيم الإبداعية التراثية، إذ جمع بين عمق الثقافة وسعة العلم وغزارة الإنتاج وخرج بتوليفة فكرية وصنعة فنية استحق عليها بجدارة لقب موسيقار سوري عالمي، فعشق أصالة هويته ومنها استمد رؤيته الإبداعية، كما توقفت مشوّح عند مشروع إسكندر الذي يُختصر بالمعادلة الصعبة بإيجاد لغة موسيقية جديدة بتوليفات هارمونية مع الحفاظ على مزايا المقامات الشرقية.

حوارية العود والوتريات
وشغلت السيمفونية الحيز الأكبر من الحفل، إذ قدّمت بأداء مبهر أشهر مؤلفات إسكندر الذي مزج بين الموسيقا الكلاسيكية والشرقية، وحمل معه الموسيقا السورية إلى مسارح العالم، ولاسيما الموسيقا السريانية، فاختار باغبودريان أربعة أعمال من مؤلفاته، مبتدئاً بعزف كونشيرتو لآلة العود والوتريات –حركة معتدلة السرعة- بمشاركة محمد عثمان بالعزف المنفرد، فأخذ دوره بحوارية متداخلة مع الوتريات، ثم تمتد مساحة الوتريات، ليأخذ دوره بالعزف المنفرد في بداية لحنية، ومن ثم العودة للعزف مع الأوركسترا بتناوب بينه وبينها في مواضع.

التشيللو والوتريات
ثم انتقلت الفرقة إلى العمل الثاني بعزف كونشيرتو لآلة التشيللو والوتريات، بالعزف المنفرد على التشيللو للعازف محمد نامق، فبدأ باللحن الحيوي ضمن دائرة الوتريات، ثم أخذ التشيللو دوره بالصولو بمرافقة التكثيف الموسيقي الخافت للوتريات، لتعود الفرقة مع التشيللو بقفلة سريعة.

لاميتا يشوع والآهات
واتسم العمل الأكثر شهرة “الآهات” بتدرجات صوت لاميتا يشوع وفق تقنيات الغناء الكلاسيكي، وبمرافقة كورال الإناث فقط وصولو البزق -محمد عثمان- وصولو التشيللو- محمد نامق، من خلال ثلاثة مقاطع فأبدعت بتأثيرات صوتها ولاسيما بمفردة “المحال” يشهد الله أنني مازال فيّ شمعة تضيء المحال” ثم صولو صغير لنغمات البزق ليرافقها مع التشيللو الرخيم بتدرجات الآهات التي أدّتها بمساحة صوتية كبيرة ودرجة مرتفعة، كما أخذ التشيللو في مواضع دوره بالمرافقة للآهات، واكتمل العمل بمشاركة الكورال والفرقة مع ضربات التيمباني.

التمازج الإسلامي والمسيحي
أما عمل “حوار المحبة” فكان متميزاً، كما أوضح الفنان دريد لحام في شهادته التسجيلية التي سبقت العزف، ويقوم على توليفة سريانية دينية مع أناشيد عربية دينية مبنية على التراث برؤية نوري إسكندر قدمها له وقُدمت في مهرجان الأغنية السورية في حلب، الذي كُلف بإدارته الفنان دريد لحام في إحدى الدورات، وحمل رسالة سورية إلى العالم بالتعايش الديني.
وتخلّل العمل مقاطع غنائية دينية أداها بصوته الرائع ريبال الخضري، ونور الدين زيتون من الكورال بالغناء المنفرد.

فيلم وثائقي

كما عُني الحفل بالتوثيق البصري بعرض فيلم تسجيلي- توثيقي بتعليق صوتي للمايسترو أندريه معلولي تكريماً لذكراه، اختزل مسيرة حياة نوري إسكندر الإبداعية، والحياتية، إذ ولد في مدينة أورفا عام 1938، ثم هاجرت عائلته إلى تل أبيض في دير الزور ومن ثم إلى حلب لتصبح الموسيقا هاجسه، فاتجه إلى مصر لدراسة الموسيقا فحصل عام 1964 على “ليسانس” من المعهد العالي للتربية الموسيقية في القاهرة، عاد إلى سورية وعُرف بـ”الملفونو” أي المعلم وشغل منصب مدير المعهد العربي للموسيقا من 1994 إلى 2003.
وخلال مسيرته، أسس الكورال السرياني عام 1965 في حلب، وفي عام 1970 أسس فرقة “شاميرام” في بيروت، أقام في عام 1973 في بيروت حفلاً موسيقياً في قصر اليونسكو شارك فيه الفنان وديع الصافي وقُدمت فيه أغان سريانية شعبية، ثم قدم مجموعة حفلات في السويد وأسّس فيها الكورال السرياني، وسجل العديد من الأغاني السورية وقدمها في العديد من المدن الأوروبية.
ويعدّ إسكندر من أكثر الباحثين السوريين اهتماماً بتوثيق الموسيقا السورية القديمة، ولاسيما السريانية الكتيسية والمدنية، واستغرق عمله ثماني سنوات في حفظ وتدوين الموسيقا المشرقية القديمة في مدونات ونوتات أول مرة، ومؤخراً، انتهى من تدوين طقوس الألحان السريانية التراثية.

أسئلة مفتوحة
تخلل الفيلم شهادات بمناقب الفقيد وإبداعاته ومشروعاته الموسيقية من الأب إلياس زحلاوي، والفنان دريد لحام، والموسيقي سمير كويفاتي والعازف محمد عثمان الذي قال: “نوري إسكندر فتح مداخل وأسئلة ممكن نناقشها لكن من الصعب أن يحلها أحد” وغيرهم.

أبي نوري
وفي نهاية الحفل، ألقت ابنة الراحل سوسن إسكندر كلمة وجدانية، أشارت فيها إلى الإنجازات التي حققها والدها بعوالمه السحرية، وإلى القيم النبيلة التي زرعها بداخلها، لتقول: “يكفيني فخراً أنك أبي، وستبقى نوري مدى الحياة”.