محاولة لوأد القضية الفلسطينية وإلغاء الأونروا
ريا خوري
لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية ومعها ثمانية عشر دولة غربية إخفاء وجهها القبيح، الذي كان يتخفى خلف حقوق الإنسان والطفل والمرأة وحرية الرأي والتعبير والديمقراطية. فقد سارعت تلك الدول إلى تعليق تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في الوقت الذي زعم فيه الكيان الصهيوني أنّ اثني عشر موظفاً فيها لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعملية طوفان الأقصى المباركة، دون أن تتأكَّد من صحّة هذه المزاعم، أو دون فتح أي تحقيق حتى وقتٍ معيَّن، أو انتظار التحقيقات الجارية التي بدأتها وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين بهذا الخصوص، وكأن في الأمر شبهة مؤامرة مدروسة بشكلٍ محكم تستهدفها وتشارك فيها هذه الدول بشكلٍ مباشر، فهي الدول نفسها التي رفضت أي هدنة إنسانية مؤقتة في أثناء الاعتداء الصهيوني المدعوم بشكلٍ مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على قطاع غزة، حيث سعى الكيان الصهيوني منذ عقود لتصفية الأونروا، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية باعتبارها الشاهد القوي العالمي على مأساة تهجير الشعب العربي الفلسطيني، وناقوساً يذكّر العالم باستمرار بأنَّ هناك حقوقاً لهذا الشعب يعمل الكيان الصهيوني على وأدها من خلال التهويد والتوسّع والعنف والحروب والإبادة، وإصدار القوانين والتشريعات العنصرية والتمييز ضد غير اليهودي.
ما يثير الشك والريبة أكثر أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ومعها مجموعة من الدول قرَّرت تعليق مساهماتها المالية واللوجستية على الرغم من اعترافها بأنَّها لم تحصل على معلومات مؤكَّدة حول المزاعم التي طرحها الكيان على لسان قادته وعبر إعلامه، ومع ذلك اتخذت تلك الدول قرار تعليق التمويل المالي، بل إنَّ الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن قرّرت توجيه أي أموال مخصّصة إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي انبثقت عن هيئة الأمم المتحدة إلى وكالات أخرى، مثل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أو منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، أو غيرها من المنظمات الدولية، وهو ما كان يسعى إليه الكيان الصهيوني تماماً بأن يتم نقل مهام الوكالة إلى منظمة دولية أخرى.
لم تنتظر الولايات المتحدة ومعها تلك الدول نتائج التحقيق الذي تجريه الأمم المتحدة للردّ على التهم الموجهة إلى وكالة الغوث (أونروا) بعد تشكيل الأمين العام أنطونيو غوتيريش لجنة مستقلة مكلَّفة تقييم حيادية وكالة الغوث، ولم تراعِ الظروف الإنسانية الكارثية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث يعتمد نحو مليوني شخص على الوكالة (من أجل البقاء على قيد الحياة)، وفق ما أعلنه فيليب لازاريني المفوّض العام لوكالة الغوث الدولية الذي أشار إلى أنَّ (عقارب الساعة تتجه نحو مجاعة إنسانية حقيقية تلوح في الأفق)، بل عمدت تلك الدول إلى اتخاذ قرارها غير الإنساني وغير الأخلاقي بعد يوم واحد فقط من قرار محكمة العدل الدولية الذي يدعو بشكلٍ واضح وصريح إلى اتخاذ (تدابير فورية عملية وفعَّالة لتوفير الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية الصعبة لسكان قطاع غزة)، ما يزيد من الريبة والشك حول خلفية القرار الذي يبدو أنه مدفوع بتوجّهات ومواقف مسبقة. وبسبب ذلك، فإن وكالة غوث اللاجئين قد تضطرّ إلى وقف عملياتها مع حلول نهاية شهر شباط الحالي، وهذا يعني أن نحو ستة ملايين فلسطيني في القطاع والضفة الغربية وأماكن الشتات في الأردن وسورية ولبنان سوف يعانون الأمَرّين بعد أن ينقطع عنهم شريان الحياة الأساسي الذي يساعدهم للخروج من الفقر والمرض والجوع نتيجة اللجوء وفقدان الوطن.
ونتيجة المعلومات الاستخباراتية الدولية وعلى رأسها الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، تأكّدت بشكلٍ مطلق في تقاريرها الخاصة والمسرّبة أن ملف استخبارات الكيان الصهيوني الذي يزعم أن عدداً من موظفي وكالة الغوث الدولية شاركوا في عملية طوفان الأقصى (لا يتضمن أدلّة كافية تدعم صحة هذه الادّعاءات) وهي في حقيقة الأمر تلفيقات وضعت لتحقيق أجندة خاصة، وكانت تلك المعلومات الصادرة عن الاستخبارات الأمريكية والبريطانية قد تسرّبت إلى شبكة (سي بي نيوز) الأمريكية التي أشارت بوضوح إلى أنّ الادّعاءات الصهيونية (غير صحيحة وتفتقر إلى الأدلة المادية).
بعد تعليق الدعم للأونروا بات مصيرها على المحك، لأنها ستفقد مساعداتٍ مالية بقيمة خمسة وستين مليون دولار أمريكي، كما سيعاني ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون في تدبير شؤون حياتهم اليومية على ما تقدّمه وكالة الإغاثة من دعم، وبذلك تتفاقم المعاناة القاسية وتزداد المآسي الإنسانية في قطاع غزة، حيث بات أكثر من مليون وأربعمائة ألف فلسطيني بينهم ما يقرب من ستمائة وسبعين ألف طفل يعيشون في الشوارع أو الطرقات في مدينة رفح، حسب آخر تقرير قدّمته منظمة يونيسيف الدولية.