صحيفة البعثمحليات

وصفة عمالية اقتصادية.. وجرعة مقترحات لدعم الحلول الخجولة

دمشق – بشير فرزان

لم يخرج الحديث مع طلال عليوي، أمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام لنقايات العمال، عن المسار المطلبي، بل وكان انعكاساً للمواقف والرؤى النقابية حيال الأوضاع المعيشية والاقتصادية والإنتاجية، وكل قضايا العمل والعلاقة مع الحكومة، وتلك المندرجة ضمن الحراك النقابي التفاعلي مع الواقع، وفق خطط الاتحاد وتوجهاته.

وطبعاً لم يتردّد عليوي في تقديم مكاشفة واقعية حول ما يدور في فلك الاقتصاد بمساراته المتنوعة، ومنها المعيشية، حيث بيّن أن هناك وضعاً اقتصادياً متردياً ونقصاً في مختلف المواد الأساسية وحالة غلاء كبيرة ووضعاً معيشياً صعباً، إضافة إلى الارتفاع الكبير في سعر الصرف وانخفاض القيمة الشرائية للمعاشات والأجور رغم الزيادات المتلاحقة التي لم تنعكس بشكل إيجابي على حياة ذوي الدخل المحدود، لافتاً إلى أن هناك تحدياً كبيراً آخر أمام الحكومة يتمثل بعدم المقدرة على ضبط السوق السوداء لمختلف المواد الأساسية (خبز – غاز – بنزين – مازوت)، إضافة إلى تحكّم أصحاب شركات النقل والسائقين بأجور النقل، الأمر الذي يزيد من صعوبة الحياة بالنسبة للمواطن.

وأكد أن أمام الحكومة عمل دؤوب من أجل تأمين مستلزمات الصمود وتأمين احتياجات المواطنين، فهي لا تدير أزمة عادية، بل أزمة حادة ومركبة ومعقدة، ومفصلاً مهماً من مفاصل التحول في تاريخ سورية. وفي مثل هذه البيئة الصعبة والقاسية لا يصعب العمل والأداء الحكومي فحسب، بل يصعب أيضاً اعتماد معايير ثابتة للتخطيط والتنفيذ والتقييم، في وقت يتعامل الإرهاب مع بنك أهداف متحركة ولا يدع شيئاً بعيداً عن مرماه.

وأوضح أمين الشؤون الاقتصادية أن الحكومة قامت برفع الدعم عن المشتقات النفطية، والمواد الغذائية مثل الخبز والغاز والسكر والمازوت والبنزين، حيث وصلت أسعارها إلى عشرة أمثالها قبيل الحرب، وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك، ما رتّب زيادة في النقل وبقية السلع الضرورية، الأمر الذي أوجد فجوة كبيرة بين دخل المواطن ونفقاته، ما اقتضى بالضرورة عدم قدرة الأسرة السورية على تأمين احتياجاتها الضرورية، إضافة إلى الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات والتي باتت خيالية في كثير من الأحيان.

وبيّن عليوي أن تحول المجتمع السوري من حالة الحاجة إلى حالة الفقر في أغلبه كان بسبب عوامل داخلية، منها التدخل الخجول للحكومة بمحاربة انخفاض سعر صرف الليرة دون أي ضوابط قانونية رادعة لمن يقومون بالاتجار بالعملة، حيث توفرت في تلك الفترة كافة المواد الكمالية في الأسواق وبأسعار غير مسبوقة، واستيراداً بمعرفة الدولة، مع ما تشكله من استنزاف للعملة الوطنية والصعبة في البلاد، وذلك بشكل غير مفهوم وليس له أي علاقة بأي نظرية اقتصادية معروفة، خاصة وأن من المعروف تماماً أن في أي بلد في حالة حرب يجب تخفيض المستوردات من الكماليات إلى أدنى حدودها.

وأضاف عليوي: أصبح حجم الفجوة المعيشية كبيراً (متوسط الرواتب والأجور لا يتجاوز 250 ألف ليرة قبل الزيادة الأخيرة)، ونفقات الحياة المعيشية تحتاج إلى عشرة أضعاف متوسط الدخل الحالي، وكان لذلك تأثيره السلبي الواضح على التعليم، إذ دفع بكثير من العائلات لإرسال أطفالهم إلى سوق العمل من أجل تأمين مصدر دخل إضافي، ولعدم قدرتهم على دفع تكاليف ما تتطلبه العملية التعليمية.

ودعا عليوي الحكومة لإعادة النظر بالقرارات البعيدة عن ملامسة الواقع المرير الذي يعيشه المواطن السوري، مؤكداً ضرورة أن يكون الهمّ الأكبر بالنسبة للحكومة هو تحسين الوضع المعيشي بالإمكانيات الموجودة وفق المقترحات، وفتح سقوف الراتب ومنح الترفيعات الدورية لكافة العاملين، وتأمين كافة المواد الأساسية والضرورية، والحدّ من ارتفاع أسعارها، وإعادة تأهيل المناطق الصناعية وتطويرها، فذلك يدعم اقتصاد البلاد ويعمل على امتصاص البطالة، وكلك التمسّك بالقطاع العام ليبقى قاطرة النمو، وإعادة هيكلة الاقتصاد السوري، محذرا من أن عدم إصلاح القطاع العام معضلة سوف تؤثر لاحقاً على أي خطة لإعادة الإعمار بما يضمن تصويب الهياكل المالية والفنية وإدارة الأصول الإنتاجية للشركات العامة وتحويلها إلى شركات تعمل وفق معايير محاسبية تتسم بالدقة والشفافية وتهدف إلى الربحية العادلة.

وأشار عليوي إلى أنه من أجل ذلك يطالب الاتحاد العام لنقابات العمال اليوم بالحفاظ على الإنجازات والمكاسب التي تحققت للطبقة العاملة بعرق العمال وسواعدهم، وبدعم مباشر من قيادتنا الحكيمة، ويدعو إلى تحديد هوية اقتصادنا الوطني، ونطالب بالضرب بيد من حديد على قوى الفساد، وتجار الأزمات والمحتكرين الذين لا يقلّون خطورة عن الإرهاب، كما نؤكد ضرورة توسيع مظلة الحماية الاجتماعية وتطبيق الضمان الصحي لتشمل عمال القطاع الخاص وما تبقى من القطاع العام.