الانتخابات: هل الانتظار سيّد الموقف؟
د.عبد اللطيف عمران
يمكن القول إن صورة الانتخابات الحزبية على المستوى الأول، مستوى الشعب الحزبية، باتت واضحة المعالم إلى حد كبير، وإن بإمكاننا الآن أن نرسم ملامح أولية لها، انطلاقاً من طبيعة السلوك الانتخابي الذي عبّر عنه الرفاق المترشحون والناخبون أولاً، ومن أجواء النزاهة والشفافية التي رافقت عمل اللجنة الانتخابية العليا واللجان الفرعية خلال سير عمليات الانتخاب ثانياً، ومن مناخات الحماس والتفاؤل التي تسود أوساط البعثيين، على اختلاف التراتبيات التنظيمية ثالثاً، وفي الشارع الوطني بشكل عام/ جماهير الحزب/ رابعاً.
والحقيقة، فإن الترقّب الحاصل، على أكثر من مستوى، عملَ على ضخ المزيد من الحيوية والديناميكية في الحياة الداخلية لحزب البعث، وعزّز الثقة والأمل، ذلك أن مجرد الاطمئنان إلى أن البعث سيكون حاضراً ومتواجداً في قلب التحولات القادمة المنشودة، بل وسيكون أحد الرهانات الرئيسية لهذه التحولات، ينطوي على إمكانيات واحتمالات مستقبلية واعدة للغاية.
حتى الآن، فقد اجتاز “البعث” الجزء الأكبر من القطوع الانتخابي مدللاً على روحية رفاقية مثلى، وانضباطية انتخابية عالية، ما يثبت قوة وتماسك وديمقراطية البنية التنظيمية لهذا الحزب، واستعداده للاضطلاع بالمسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقه، في أية لحظة يطلب منه ذلك – كان قد فعل ونجح -.
ومثل هذه الجهوزية “العملياتية” إنما تذكرنا باللحظات المشرقة والمضيئة التي طالما برهن فيها الحزب عن شدة التصاقه بالقضايا الوطنية والمصيرية، فالبعث كان دائماً صنو اللحظات الصعبة والانعطافية، وسيبقى كذلك على الدوام لأنه من هذا الوطن ولهذا الوطن.
خلال أسابيع معدودة، “انبعث” البعث، بكل معنى الكلمة.. لقد تجاوز السجالات والمماحكات، وحتى “المشاحنات” القاسية والنارية التي ميّزت الكثير من اللقاءات والمؤتمرات، على امتداد السنوات الماضية، بل وتجاوز “الهمس” المكبوت الذي كان يشي بمقادير عالية من المرارة والأسف وربما الشعور باللاجدوى ليحل محلها العزم على إحداث النقلة الموعودة، حتى ولو تطلب الوصول إلى الهدف المرسوم أكثر من جولة.
ففي هذه المرحلة من الحياة الحزبية التي نمرّ بها واضح أن المسألة التنظيمية كانت على قدر كبير من التفضيل، والخصوصية أيضاً التي سارت في اتجاهات محددة وغير معهودة سابقاً في تاريخ المؤتمرات الحزبية، وهي مرحلة قد تكون قابلة للتغيير في المستقبل طموحاً إلى تحسين الأداء، وتوطيد الحضور وتفعيله، في سبيل تحسين الواقع، والقدرة على تحقيق الأهداف التي يجب ألّا تبقى تقليدية محضة.
إذ ليس من الضروري أن يقترن البُعد التنظيمي بالبُعد الإيديولوجي في مسار العملية الانتخابية، وذلك بسبب الفوارق البراغماتية (الانتخابية) بين البُعدين، وهنا تبرز بوضوح إلى السطح إمكانية القدرة على مراجعة نقاط الضعف والقوة في العمل الحزبي التنظيمي وغيره.
إن النجاح في البعد التنظيمي (الوحدة التنظيمية للحزب) يؤدي، بل يساعد على النجاح في بناء الوحدة الفكرية فيه التي هي اليوم عرضة لتيارات ساخنة تلفح برياحها الحارّة وجوه الأجيال في هذه المنطقة من العالم التي باتت تتلمّس وتلتمس سبل الخلاص من هذا الواقع الذي يرخي بظلاله الباهتة على كافة النظم والمؤسسات الوطنية محليّاً وإقليمياً وعالمياً، حيث يكاد يكون الجميع أمام خيارات يصعب جداً البتّ في أمرها نظراً إلى /عدم الاستقرار/ واليقين، الذي هو صبغة اليوم على المستويات كافة، وهذا يدركه البعثيون تماماً. فالبعث الذي بدأ ونشأ وتطوّر في هكذا مناخات هو اليوم قادر على أن يكون الحامل القوي، والطريق الواضحة، والأمل الواعد الذي طالما تطلّعت إليه الجماهير ولبّى تطلعاتها، رغم استهدافه المستمر وصموده.
في هذا السياق تغدو الانتخابات الجارية اليوم رهاناً من رهانات العمل الحزبي المُتطلَع إليه، ولايزال أمام البعثيين عمل كثير وكبير أيضاً، وها نحن نمضي اليوم في الخطة “آ” بقوة ووضوح، ورغم ذلك لا يعرف الرفاق ماذا يقولون للرفيق الراسب فيها مفاجأة دون توقّع، ولا للناجح فيها مفاجأة، ويختلفون في تفسير السبب، وطبيعي أن يتحدثون عن تنافس شريف، وبالمقابل عن تنافس غير شريف… وقد يكون حظ الرفاق الذين كانوا يقيسون على التقليد، السائد سابقاً، من المفاجأة أكبر.
لازلنا في منتصف المستوى الأول من الانتخابات، ومن المبكّر الحكم على الظاهرة الانتخابية المقرّة مقترحاً وتوصياتٍ في اجتماع اللجنة المركزية الأخير أو “الأخيرة”. وبانتظار المستوى الثاني، سيكون الانتظار أيضاً سيّد الموقف حول المستويات التالية التي علينا أن نشعر فيها مع المستويات جميعها بالاطمئنان.