انتصار وهمي واعتراف ضمني بالهزيمة
تقرير إخباري
بعد دخول اعتداءات الكيان الصهيوني على غزة شهرها الخامس، يروج نتنياهو لـ “نصرٍ” حققه بعد مضي كل هذه المدة المفعمة بالسيناريوهات والخطط والإدعاءات الفاشلة والمستحيلة، والتي ليس أولها قتل المدنيين واستهداف الطواقم الطبية، وليس آخرها الزجّ بدبابات وآليات الميدان الكبير فريسةً سهلة في أزقّة غزة التي فتكت بها وبجنودها الجبناء.
بعد كل هذا يدّعي رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية الأشدّ تطرّفاً أن قوات جيشه “حرّرت” أسيرين من قبضة المقاومة الفلسطينية، حيث هرع لالتقاط الصور والتباهي، تاركاً أكبر الأثر السلبي في نفوس الشارع الإسرائيلي المقسوم المهزوم، والذي تساءل عبر وسائل إعلامة وناشطيه عن سبب عدم حضور نتنياهو لإلتقاط الصور قبل ما اعتبره “نصراً”، وخاصةً عندما حضر أهالي المستوطنين المختطفين إلى أمام منزله، أو عندما احتشد مئات ألوف ممن هجَروا منازلهم وأشغالهم في شمال الأرض المحتلة وفي غلاف غزة ليجد لهم حلاً بعد أشهر من التشرّد والتشرذم، علّه “يبشرهم” بتحقق ولو جزء من أهدافه المزعومة.
كذلك فإن عملية “تحرير” الأسيرين الإسرائيليين تركت عبر فيديوهاتها المنشورة عشرات التساؤلات سواءً لدى الشارع الإسرائيلي أم حتى خارجه، لجهة القيمة المضافة أو لجهة تضارب التفاصيل، فعلى الصعيد الأول هل يمكن اعتبار “تحرير” أسيرين من أصل 136 أسيراً “انتصاراً” بعد خمسة أشهر من عمليات العدوان، فبعملية حسابية بسيطة يحتاج نتنياهو وجيشه إلى ستة عقود لتحرير 134 أسيراً آخرين.
أما على الصعيد التكتيكي، فقد أثارت طريقة دخول قوات الاحتلال من باب البناء الذي كان يضم الأسرى “حسب مزاعم جيش العدو” وخروجهم من باب آخر واضطرارهم لاستخدام الحبال والمروحيات لإخلاء أسيرين في العقد السادس من العمر، انتقادات واسعة واستغراباً شديداً، ولماذا الأسرى في منزل وليس في الأنفاق، بل حتى أن أحد متحدثي المقاومة وضع فرضية أن الأسيرين ربما لم يكونا في قبضة المقاومة أساساً “دون تعليق رسمي من جانب المقاومة”، ويعزّز تلك الفرضية صور المبنى الذي تعرّض لقصفٍ عشوائي لا يدل على استخدام عقلية العمليات النوعية تجاهه بأي شكل.
إن هذه السردية في ما تحمله من تناقضات وفرضيات متلعثمة تجرّنا للتخمين بأن نتنياهو وبعد التقاطه لصورة الـ “نصر” أمام مريديه يسلّم بأنه وصل إلى أفق أكثر إنسداداً من أفقه المسدود أساساً منذ ما قبل “طوفان الأقصى”؛ فلا هو قادر على إبادة 1,4 مليون مهجّر موجودين في رفح من وسط وشمال غزة، أو إفراغ رفح من هذا الكم البشري الهائل لأن ذلك مستحيل التحقق بأيام أو أسابيع، إن أراد جيش العدو تدقيق هوياتهم والتنكيل بهم عبر كمائنه وحواجزه ريثما يعيدهم إلى وسط أو شمال القطاع، وإن كانت المقاومة في صفوفهم –كما يدعي الاحتلال- فستخرج معهم وتتحرّك كما دخلت، وبالتالي ستكون عمليته في رفح دون أي هدف، كما أنه من جهةٍ أخرى يعلم أن استهدافه لهذا التجمع البشري وإجراء الاجتياح خلال تواجدهم سيشعل حرباً غير متوقعة ابتداءً من مصر ووصولاً إلى إيران.
ولذلك كله نرى نتنياهو ينشر ساسته في المنطقة لتطبيق سيناريو التفاوض بعد “نصره” المزعوم، محاولاً تبرير وتجميل استسلامه لهزيمة الأمر الواقع في الغوص ببعض التفاصيل المتعلقة بشكل الإنسحاب، وكيفية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، ليتابع بعد ذلك جني ثمار فشله مع ائتلافه المتطرّف.
بشار محي الدين المحمد