رحاب إبراهيم رمضان: المتلقي منجذب إلى الشعر العمودي وهذا مؤشر خطر
هويدا محمد مصطفى
تكتب الشاعرة رحاب إبراهيم رمضان القصيدة العمودية والنثر، واستطاعت عبر أدواتها الشعرية أن تسافر مجازاتها، بحثاً عن ذاتها المنصهرة في أعماق النص.. صدر لها مجموعات شعرية عدّة منها “أنا أنثى” و”على بعد وطن” و”دماء الحبق”، ومجموعة إصدارات دراسات نقدية أدبية، وللغوص في تجربتها التقيناها وكان لنا معها هذا الحوار.
هل القصيدة هي بداية التعريف بك وكيف تقدمين نفسك للقارئ؟.
القصيدة هي نفسي، وهي ذوب روحي المترجم إلى حالة جمال لا تنفصل عن الواقع، وهي ظلال وانعكاس ما أراه بإحساسي وأعاينه بعقلي فأسكبه في واحة الشعر والأدب، والقصيدة أنثاي التي أحبّت وعشقت وتمرّدت وانتفضت على المتخلف المتوارث وراهنت على قوة المرأة وحضورها بعقلها وإرادتها وقلمها لتنهض بجيل أتعبته الحرب وتكرس مفاهيم أساسية للحياة كاد يفقدها.
لمن تكتبين؟ وهل الواقع أثر في نتاجك الأدبي؟.
أكتب للحياة، وأكتب لغد أفضل، وأكتب لأكون عنصراً فاعلاً مؤثراً ولو بالكلمة في هذا الواقع المؤلم، وأكتب لأوازن وأزيل بعضاً من هذا الكمّ الهائل من التردي في زمن أغبر، فالرصاصة تقتل إرهابياً، أما الكلمة تقتل جيلاً بأكمله، وبالمقابل تحيي جيلاً وتنشله من عتمة التشرذم الفكري والثقافي الذي يعيشه، نعم أثّر الواقع في نتاجي الأدبي، فمن أهم وظائف الأدب نقل الواقع والالتزام بالتعبير عن آلام الناس وآمالهم والبحث عن حلول لمشكلاتهم، وعلى الأديب ربط القول بالفعل والاتصاف بالمسؤولية التامة تجاه كلّ حرف يكتبه، فكتبت للتراب وتغنيت بالشهادة والشهداء والبطولات التي قدمها جيشنا المغوار، وكتبت لأم الشهيد ولوطني الجريح وسكبت حبري فوق ربا جماله وحريته وعظمة شعبه المقاوم هي أساسية للحياة كاد يفقدها.
تكتبين القصيدة العمودية وأيضاً قصيدة النثر أين تجدين نفسك وأي الشعر تجدين نفسك من خلاله ومن خلال المتلقي؟.
أكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة، وأكتب النثر أيضاً، وأجد نفسي حيث الشعر بدلالاته وانزياحاته وصوره العابرة للدهشة والتجديد، فقلمي لا يقف عند نوع محدّد من الشعر، إنما يجري عفو الخاطر حيث اللغة الشعرية الوارفة، أما عن النثر فالكتابة فيه أسهل وأيسر وبالمجان، ولا يعدّ شعراً، إنما هو فن من الفنون الأدبية وتجربتي فيه مقلّة، وإلى هذه اللحظة لم تتبنه أي مدرسة من مدارس الشعر، أما عن المتلقي، ومن خلال تجربتي الأدبية المتواضعة في الكتابة فأجده ما يزال منجذباً إلى الشعر العمودي، وهذا مؤشر خطر في الذوق العام، فكما الشعر يتطور وكل شيء من حولنا يتطور أيضاً على المتلقي أن ينسجم مع هذا التغيير ويدفع بحسّه إلى خضم الجمال المتجدّد.
ماذا قصدت بعنوان كتابك “أنا أنثى”؟ ومن هي الأنثى التي تكتبها حروفك؟.
الأنثى هي بلدي سورية مسرى النور وموطن الشمس، وأم الشهيد وأخت الشهيد وابنة الشهيد، وهي كلّ أم صابرت وصبرت خلال فترة الحرب وإلى الآن، وهي كل عاملة ما تزال مخلصة لعملها وبيتها وأولادها تبنّت العطاء بلا حدود.
أين أنت من مشاهد الحرب والدمار؟ وما هو دورك في تلك الأزمات؟ وكيف تجد القصيدة طريقها إلى النور في تلك الظروف؟.
من الدمار تخلق الحياة، ومن النار كنت أرى بصيص النور، هكذا آمنت منذ بداية الحرب وهكذا تبصرت، فما دُمّر تبنيه سواعد الأجيال الواعدة، والحجر يعوّض، أما هاجسي وخوفي كان منصباً وما يزال على تدمير وتسطيح العقول، وهذا هو المراد من كل ما يدور حولنا، وهنا الخطورة الكبرى التي علينا دفعها وصدها بالعلم والعمل المثابر وبالتحصين من شراسة ما نتعرض له من هجمات ثقافية وفكرية معادية.
هل للشاعرة المبدعة خصوصية معينة؟ وهل يساندها الرجل؟ أم أن هناك ظلماً لا تظهره الشاعرة؟.
من الطبيعي أن يكون للشاعر خصوصيته، وتعامله مع مفردات الحياة بتأنٍ وفاعلية أكبر، فالشاعر الحقيقي من المفترض أن تسبقه بصيرته وإحساسه قبل بصره ويستشرف الرؤى ويتبصر الحلول، وبالفعل هذا زاد من إحساسي بالمسؤولية تجاه كل الموضوعات التي طرحتها في قصائدي.
أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي الكتابة العشوائية تحت مسميات مختلفة في الأدب، كذلك منح شهادات تكريم ودكتوراه فخرية وغير ذلك، مارأيك بذلك؟.
الإنترنت بكل وسائله فضاء مفتوح للغث والثمين، صحيح أن بعض مواقع التواصل أتاحت النشر لكل إنسان يعتقد أنه كاتب، لكن هناك فصلاً من قبل المتلقي الجيد والنخبوي وقدرته على تعرية الرديء وتمجيد الأصوات المبدعة فلا خوف على الإبداع برأيي ما دام لدينا قارئ مجيد ومثقف، فكل يسمّى باسمه.. ليكتبوا ما يشاؤون، وليكونوا رهناً وعبيداً لتلك الشهادات الوهمية مجهولة المصدر التي تقلّل من شأن يصدقها ويقبلها بغباء.
ماذا حققت لك المشاركات في المراكز الثقافية؟ وماذا أضافت ظاهرة الملتقيات للشعر برأيك؟.
المشاركات حققت لي انتشاراً أفقياً في وطني، تعرفت من خلالها على شعراء كبار، ونهلت من نصائحهم، وقرأت أشعارهم وأثروا بشكل إيجابي في تجربتي الأدبية، فكانت انطلاقتي الأدبية منها على امتداد سورية، لأكون بعدها في تونس بلدي الثاني، حيث شاركت في إحدى مهرجاناتها بدعوة من وزارة الثقافة التونسية فكانت قيمة مضافة وأعطت بعداً آخر لثقافتي وتجربتي الشعرية.
لديك مجموعة دراسات نقدية أدبية، ماذا تتناول هذه المجموعة وكيف تجدين النقد وتأثيره على الساحة الأدبية؟.
النقد هو محطة اهتمامي الحالي.. كلنا يعلم لولا النقد لما دارت عجلة تطور الأدب بكل فنونه، وتناولت دراسة نقدية لبعض قصائد أبي فراس الحمداني، وبعض قصائد المتنبي وأبي العتاهية، وسلّطت الضوء على النظرية التفكيكية والنطرية السيميائية وهناك بعض المغالطات في تطبيقهما، مع لفت الانتباه إلى أن النقد ما يزال حتى اللحظة لم يؤصل، وما يزال بعض النقاد لا يمتلكون أدواتهم الموضوعية وأهواؤهم هي التي تحكمهم.
تتابع إبراهيم، حالياً، دراسة الماجستير، وستتفرغ بعدها لرسالة الدكتوراه، وعندها وبحسب ما أسرّتنا ستهتم بجمع قصائدها التي كتبتها، مؤخراً، لتكون منجزاً جديداً تقدمه إلى القراء.