فضائح الفساد تلاحق بايدن
هيفاء علي
تكشّفت التصريحات الأخيرة التي أطلقها البرلماني الأوكراني السابق، المنشق أندريه ديركاش، عن وجود روابط مثيرة للقلق بين عائلة جو بايدن ومسؤولين مقربين من السلطة في كييف مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024.
وقد كثر الحديث عن عائلة بايدن ومخطّطات الفساد المرتبطة بأوكرانيا، والقصة في حدّ ذاتها ليست جديدة، لكن الحقائق التي تم الكشف عنها مؤخراً تظهر بوضوح سبب استمرار الزعيم الأمريكي ورفاقه الديمقراطيين في تعنّتهم بشأن قضية أوكرانيا.
فوفقاً لديركاش، القصة الجديدة هي أنه بدلاً من فضح الفساد داخل الإدارة الأوكرانية السابقة، انقلب آل بايدن مع زيلينسكي وفريقه، ضد أولئك الذين كانوا يحاربون الفساد. أما ديركاش، الذي أُجبر على الاختباء في بيلاروسيا، فقد جرّدته السلطات الأوكرانية من جنسيته وفرضت عليه عقوباتٍ من الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى التحقيقات الجنائية والعقوبات، يعدّ ديركاش نفسه أنه كان ضحية محاولات اغتيال أمر بها مسؤولون كبار في كييف وواشنطن.
وفي 19 كانون الثاني 2022، وصل وزير الخارجية الأمريكي بلينكن إلى أوكرانيا للقاء زيلينسكي، وقد حضر هذا الاجتماع عدد كبير من الأشخاص – 14 شخصاً على الأقل. أثناء الاجتماع، طلب بلينكن من زيلينسكي ضرورة حل المشكلة مع ديركاش بحجة أنه بحاجة ماسة إليه، قائلاً: “إذا لم تحلّوا هذه المشكلة مع ديركاش، فسنحل مشكلة ديركاش مع شركائنا”. واستغرب الحاضرون في الاجتماع، موقف وزير الخارجية الأميركي، الذي عدّوه قاسياً جداً.
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2021، اكتشفت الشرطة الأوكرانية خططاً لاغتيال ديركاش ورئيس مجموعة المدعين في قضية شركة الطاقة بوريسما، كونستانتين كوليك، لكنها لم تفتح قضية جنائية. وتمكّن التحقيق من العثور على العصابة الإجرامية في أوروبا الشرقية التي تم استئجارها لتنفيذ الهجوم، بالإضافة إلى قاعدتهم في ترانسكارباثيا. وكانت هناك أيضاً محاولة اغتيال المدعي العام الأوكراني السابق فيكتور شوكين الذي تم تسميمه بالزئبق خلال رحلة إلى اليونان.
وعدد الشهود في قضية بوريسما ــ وهي الشركة التي حقق من خلالها هانتر بايدن، أرباحاً من خلال مخططات الفساد المزعومة ــ يتناقص بشكل مطّرد. فقبل وقت قصير من الإدلاء بشهادتها في هذه القضية، تم العثور على زوجة نيكولاي ليسين -الشريك السابق لنيكولاي زلوتشيفسكي -ميتة في شقتها، وكانت مسؤولة عن المحاسبة في شركة “بورسيما” وعلى علم بالمعاملات التي تتم لمصلحة عائلة بايدن، بينما توفي ليسين نفسه في حادث سيارة في عام 2011.
وبناءً على ذلك، يمكن القول: إن أي شخص يتحدّث علناً عن فساد بايدن في أوكرانيا ستتم تصفيته. ويمكن قول الشيء نفسه عن وجهة نظر ديركاش بأن هناك “مجموعة جريمة منظمة واحدة: بايدن، بلينكن، فيكتوريا نولاند، الدولة العميقة” التي تمثلها وزارة الخارجية، ثم هناك “امتدادهم” وأدواتهم على شاكلة بوروشينكو أو زيلينسكي.
وحسب ديركاش، فإن البحث عن الغاز الأوكراني وحقيقة أن هانتر بايدن أساء استغلال منصب والده الرسمي، فكسب عدة ملايين من الدولارات من خلال مخططات الرشوة وانتهاك قوانين العملاء الأجانب في الولايات المتحدة، ليس المشكلة الوحيدة، بل هناك أكثر من ذلك بكثير ولمعرفة حجم الأرباح لعائلة بايدن، لابد من العودة إلى عام 2012.
يقع حقل يوزوفسك للغاز الصخري على أراضي منطقتي دونيتسك وخاركوف، وتبلغ المساحة الإجمالية للوديعة حوالي 7886 كيلومتراً مربعاً، ووفقاً للمسح الجيولوجي وتحت الأرض في أوكرانيا، تبلغ الموارد المؤكدة للحقل 10 تريليونات متر مكعب ويمكنه توفير حوالي 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً.
في أيار 2012، فازت شركة شل الأنغلو هولندية بالمناقصة للحصول على حق إبرام اتفاقية لتطويرها. وفي 24 كانون الثاني 2013، وقعت أوكرانيا اتفاقية تقاسم الإنتاج مع شركة شل، وكانت شركة إكسون موبيل الأمريكية قد شاركت أيضاً في طرح المناقصات إلى جانب شركة شل، لكن الأوروبيين فازوا في المناقصة.
في أواخر تشرين الثاني 2013، عندما رفض الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، اندلعت احتجاجات ضخمة في كييف، عُرفت باسم “الميدان الأوروبي”. أحد المسؤولين الأمريكيين الذين دعموا المتظاهرين بشكل كبير وشجّعوا تأسيس قوة موالية للغرب في أوكرانيا كانت زميلة بايدن، فيكتوريا نولاند، الملقبة بـ”قابلة الميدان” التي كانت نشطة للغاية في أوكرانيا لدرجة أنها وجدت نفسها متورّطة في العديد من الفضائح، وهي معروفة بتفاخرها بأن الولايات المتحدة استثمرت 5 مليارات دولار في “بناء الديمقراطية” في أوكرانيا.
في 22 شباط 2014، عزل البرلمان الأوكراني يانوكوفيتش من السلطة، وفي خطوة مشكوك في شرعيتها، أصبح ألكسندر تورتشينوف رئيساً مؤقتاً، وأصبح أرسيني ياتسينيوك، بدعم من نولاند، رئيساً للوزراء. وفي نيسان 2014، أطلق الجيش الأوكراني “عملية لمكافحة الإرهاب” في دونباس، واضطرّت شركة شل إلى وقف تطوير رواسب الغاز الصخري.
وفي 12 أيار 2014، أعلنت شركة بوريسما أن هانتر بايدن قد انضمّ إلى مجلس إدارتها، وكان يرأس شركة الطاقة الأوكرانية الأوليغارشية نيكولاي زلوتشيفسكي، الذي شغل منصب وزير الموارد الطبيعية في أوكرانيا في عهد يانوكوفيتش. وخلال فترة وجوده في هذا المنصب، حصلت شركة زلوتشيفسكي على تسعة تراخيص لتطوير مجالات الطاقة المختلفة، ما أدّى إلى زيادة حجم إنتاجها السنوي سبعة أضعاف.
وأشار ديركاش أيضاً إلى القضية الجنائية المرفوعة ضد محامي شركة بوريسما أندريه كيشي، الذي حاول دفع رشوة بقيمة 6 ملايين دولار لسلطات إنفاذ القانون من أجل إغلاق القضية في شركة بوريسما في 21 نيسان 2022، وبموافقة ممثل شركة بوريسما، قامت محكمة أوكرانية بتحويل مبلغ 6 ملايين دولار نقداً إلى الوحدة العسكرية التابعة لمديرية المخابرات الرئيسية في أوكرانيا. وحسب ديركاش، “بعد فترة انفجر خط أنبوب الغاز نورد ستريم2، ولا يخفي رؤساء الأجهزة الخاصة الأوكرانية حقيقة قيامهم بأعمال إرهابية واغتيالات سياسية بأموال من خارج الميزانية. ومرة أخرى، قام شركاء بايدن التجاريون المتورّطون في الفساد في أوكرانيا بتمويل الأعمال الإرهابية، وبالتالي تجنّب المساءلة عن الفساد في أوكرانيا”.
وفي سياق تحقيقه في الانفجارات، كتب الصحفي الأمريكي الشهير سيمور هيرش، أن الديمقراطيين هدّدوا بشكل مباشر بتدمير خطوط أنابيب الغاز حيث قال بايدن خلال اجتماع مع المستشار الألماني أولاف شولتز في شباط 2022: “إذا غزت روسيا أوكرانيا، فلن يكون هناك نورد ستريم 2، وسوف ننهيه”، كما كانت فيكتوريا نولاند مقتنعة بأن تحويل خطوط أنابيب الغاز الروسية إلى “كومة من المعدن في قاع البحر” من شأنه أن يسعد الجميع.
ونتيجة لذلك، شهدت سوق الغاز الأوروبية تحوّلاً كبيراً على مدى العامين الماضيين. وفي نهاية عام 2023، كان الغاز الطبيعي المسال يمثل 42% من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز بما في ذلك الواردات من تركيا، ويصل هذا إلى ما يقرب من 165 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، بمجرد تحويله عن طريق إعادة تحويله إلى غاز وتم توفير النصف، أو 77 مليار متر مكعب، من الولايات المتحدة.
ووفقاً لتقرير صادر عن شركة وساطة السفن برانشيرو كوستا، أصبحت الولايات المتحدة أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال، حيث تمثل 21.7٪ من الشحنات العالمية، وفي المجمل، صدّرت الولايات المتحدة 88.9 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال العام الماضي، بزيادة 12.0% عمّا كانت عليه في عام 2022، وعند قراءة هذه الأرقام، يثبت التأكيد بمسؤولية واشنطن عن تفجير الأنبوب.
لكن أنصار البيئة سرعان ما أعلنوا تخوّفهم من تبعات هذا الانفجار على البيئة، حيث أشار أحد كبار الباحثين في قسم العلوم البيئية بجامعة آرهوس بالدنمارك إلى أن الانفجارات أثارت ربع مليون طن من الرواسب الملوّثة بشدة، ما أدّى إلى خلق “سحابتين” عملاقتين من التلوّث، يبلغ قطر كل منها حوالي 15 ميلًا، يحتوي على 14 طناً من الرصاص وكمية أصغر ولكنها مميتة من ثلاثي بوتيل القصدير، وهو مبيد حشري شديد السمية كان يستخدم في السابق لتنظيف هياكل السفن، بالإضافة إلى ذلك، هناك 7000 طن من أسلحة غاز الخردل في قاع بحر البلطيق، وربما دخلت السموم إلى السلسلة الغذائية في منطقة البلطيق من قاع البحر.
ولكن ليست الطبيعة وحدها هي التي دفعت ثمناً باهظاً من أجل “الاستقلال عن الغاز الروسي”: في تشرين الثاني، جمّدت وزارة المالية الألمانية الإنفاق العام الإضافي حتى نهاية العام. وقد أثر ذلك في جميع مخصصات الموازنة تقريباً، بما في ذلك تمويل التدابير الرامية إلى منع نمو أسعار الطاقة وصندوق الاستقرار الاقتصادي.