رأيصحيفة البعث

المتخيّل والواقعي في الصراع الصهيوني – الفلسطيني

أحمد حسن    

أكثر من سواه يحفل الصراع الصهيوني الفلسطيني بالكثير الكثير من المتخيّل والواقعي، بدءاً من سردية “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” التي سبقت الاحتلال الاستيطاني، وصولاً إلى أكذوبة “الدفاع عن النفس” التي تحاول إسرائيل ترويجها كغطاء مقبول للإبادة الجماعية التي تمارسها ضد الفلسطينيين في غزة، هذه الأيام.

هنا، وفي سياق السرديات الكاذبة هذه، يجب إدراج رفض بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، طلبات المقاومة الفلسطينية للتفاوض على هدنة لأنها “خيالية”، كما قال، ورفضه، وحكومته، الاعتراف “الأحادي الجانب بأي دولة فلسطينية”، لأن “إسرائيل ترفض الإملاءات الدولية الصريحة فيما يتعلق بتسوية دائمة مع الفلسطينيين”!! وأيضاً يجب إدراج الترويج الغربي لـ “قصة” إهدار الأمريكان والأوروبيين، ثلاثة أيام، كما قيل لنا، من الدبلوماسية المكوكية للضغط على “إسرائيل” للقبول بالتفاوض حول دولة فلسطينية.

والحال، فإن كل ما سبق ينتمي إلى عالم “الخيال”، أكثر مما ينتمي إلى عالم الواقع، لأسباب عدّة أولها، أن طلبات المقاومة هي أكثر واقعية بما لا يُقاس من توهّم كيان الاحتلال بقدرته على الفوز بمعركة غزة، كما قال – في تعبير نادر عن الواقعية – الممثل الأعلى للسياسة الأمنية والخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أو بقدرته على ليّ ذراع المقاومة لتخفض من سقوفها التفاوضية بمجرد التلويح بمعركة رفح.

وثاني الأسباب أن “الإملاءات الدولية الصريحة” يتعرض لها الفلسطينيون وليس الكيان، فهم المحاصرون بقرار من “المجتمع الدولي”، وهم من يتعرضون يومياً لمجازر إبادة جماعية أمام أنظاره، وهم من يقفون، ومنذ نحو خمسة وسبعين عاماً، أمام أبواب مجلس الأمن الدولي المغلقة بوجههم بـ “إملاءات صريحة” من هذا المجتمع، وقائده الساكن في البيت الأبيض، والأهم، وهذا السبب الثالث، أن الأمر لا يحتاج من هذا “المجتمع” إلى ثلاثة أيام من المفاوضات ليفرض على “إسرائيل” ما يريد، بل يكفي “إنذار” على شاكلة إنذار حرب السويس الشهيرة لإيقاف المجزرة.

واليوم، وبعد كل هذه الشهور الطويلة من العدوان، اتضح فعلياً فشل الكيان الصهيوني في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب: القضاء على المقاومة، واستعادة الأسرى، و”تغيير الواقع”، فالمشكلة، وهذا السبب الرابع، أن الجميع يتعامل مع القضية وكأنها بنت السابع من تشرين الأول عام 2023، وذلك وهم تخيّلي كبير – لأنها أبعد غوراً من ذلك بكثير – ليس له، في حال استمراره، سوى إطالة أمد المأساة والاضطراب في المنطقة إلى أمد بعيد.

والحال، فإن الواقعية تقتضي القول مع بوريل – بتعبير نادر آخر – إنه لن يكون سلام في الشرق الأوسط دون اتجاه واضح لمستقبل الشعب الفلسطيني، والإضافة عليه أن هذا الاتجاه يكون نحو استعادة هذا الشعب المظلوم حقوقه الطبيعية والمشروعة، والواقعية أيضاً تتجلى فيما فعلته قمّة “الاتحاد الإفريقي” الأخيرة، حين أدانت بكامل أعضائها العدوان على غزة، كما تبرز الواقعية، أيضاً وأيضاً، في مطالبة معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب – في دراسة حديثة له – الإسرائيليين، وقادتهم تحديداً، بإدراك “حدود القوة”، والعمل وفق مقتضاها.

يوماً ما، قال بن غفير، مبرراً اعتراضه على مطالبات أمريكية محددة: “إسرائيل ليست نجمة في العلم الأمريكي”، لكنه، ومعه العالم بأسره، يعرف جيداً أن ما يحمي “إسرائيل” من الزوال هو كونها نجمة فعليّة في هذا العلم، وعضو فعلي – وفاعل بصورة ما – في نظام الهيمنة الغربية على العالم.. لكن الواقع يقول إن هذا العالم يتغير، ببطء لكن بثبات، والأيام حبلى.