الهيمنة والتطرّف يسيطران على الانتخابات الأمريكية
تقرير إخباري
استحوذت الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام على اهتمام العالم، ليس باعتبارها حدثاً سياسياً محلياً فحسب، بل باعتبارها مشهداً يحمل عواقب وآثار عميقة على السياسة العالمية واستقرار العلاقات الدولية، ويسلّط القلق المتزايد بين المجتمع العالمي، وخاصة بين حلفاء الولايات المتحدة، الضوء على مخاوف أوسع نطاقاً بشأن الاتجاه الذي تتجه إليه القوة البارزة في العالم.
ويلخص تعليق نشرته صحيفة “لوموند” مشاعر مشتركة على نطاق واسع بقولها: “لقد تحوّل دونالد ترامب من كونه أحد أعراض الأزمة التي يعاني منها المجتمع الأمريكي إلى قوة دافعة”. ويعكس هذا التصريح مخاوف متزايدة من أن الولايات المتحدة، تحت قيادة معينة، قد تعمل على تضخيم ميولها إلى الهيمنة إلى الأصولية المتطرفة، وهو ما قد يؤدّي إلى زعزعة استقرار النظام الدولي. إن التساؤل حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه أمريكا التي تقودها الهيمنة والأصولية يشكّل أهمية بالغة في فهم المخاطر التي تنطوي عليها هذه الانتخابات.
وتنشأ المخاوف من احتمالية قيام الولايات المتحدة بمتابعة نهج متطرّف، وخاصة أن وعود حملة ترامب بإعادة فرض الرسوم الجمركية العقابية، وتشديد المساعدات الدولية، وخفض الضرائب، وتقييد الهجرة، تؤكّد التحول نحو سياسات لا تتطلع إلى الداخل فحسب، بل إلى الأحادية الجانب بقوة. تصريحاته المثيرة للجدل حول المهاجرين “يسمّمون دماء بلادنا” خلال خطاب ألقاه في نيو هامبشاير، وردود الفعل العنيفة اللاحقة، بما في ذلك انتقاد جو بايدن الذي قارن خطاب ترامب بخطاب ألمانيا النازية، تسلّط الضوء على الطبيعة الاستقطابية والمتطرفة للخطاب السياسي الحالي.
لقد كشفت هذه الانتخابات عن الطبيعة المتطرّفة للهيمنة في مواجهة العولمة والاتجاه نحو التعدّدية القطبية. ومن خلال دراسة هذا التطرّف في سياق تاريخ الهيمنة، يصبح من الممكن اكتساب فهم أفضل للعواقب المحتملة لتصرّفات أمريكا في المستقبل على الساحة العالمية. لا تعكس الهيمنة المتطرّفة الثقة في هيمنتها، بل القلق من الحفاظ عليها. ويؤدّي ذلك إلى الاستعداد لبذل جهود كبيرة للحفاظ على الهيمنة، وإدراك جميع التحديات الداخلية والخارجية على أنها تهديدات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت القوة المهيمنة قادرة على الحفاظ على هيمنتها ليس من خلال حماية الدول الأخرى أو النظام الذي تقوده، بل من خلال تقديم المزيد من التنازلات ونقل المزيد من السلطة. وهذا هو جوهر ألم الهيمنة، وخاصة بالنسبة لنزعة الهيمنة المتطرّفة، حيث يصبح التناقض بين إفادة العالم وتعزيز قوة أمريكا أكثر حدّة. وبالتالي فإن الحفاظ على قوة الولايات المتحدة لا يقتصر على تعزيز قوّتها الاقتصادية فحسب.
إن الحفاظ على قوة الولايات المتحدة من خلال ممارسة الضغط على الجانب الآخر لإضعاف المنافسين، وهي الاستراتيجية التي تميل إلى المبالغة في تقدير مرونة وتأثير الهيمنة نفسها، يمكن أن تؤدّي إلى حلقة مفرغة تميل إلى التحوّل إلى لعبة يخسر فيها الجميع ضد دولة متعدّدة الأقطاب، فزيادة ضغط المنافسين لا يقلل من ضغوطها بل يؤدّي إلى تفاقمها.
ومع بداية القرن الحادي والعشرين، قد نشهد الولايات المتحدة تتورّط تدريجياً في فخاخ الهيمنة، وهو ما قد يشير إلى بداية النهاية لعصر تهيمن عليه الهيمنة الأمريكية. ومع صعود وسقوط الهيمنة باعتبارها الدراما الكبرى في السياسة الدولية، فإن انحراف أمريكا نحو التطرّف قد يكون بمنزلة بداية الفصل الأخير من هذه الدراما.
عناية ناصر