سورية وفلسطين بين تعزيز الانتماء وحب الوطن
حلب- غالية خوجة
أقامت مديرية الثقافة بالتعاون مع مؤسسة “أرض الشام”، في المركز الثقافي بالنيرب، ندوة ثقافية بعنوان “سورية وفلسطين بين تعزيز الانتماء وحب الوطن”، فما أهم المحاور التي قدمتها؟ وما هي الاقتراحات والخطط المنهجية الجديدة التي أضافتها؟ ومن المستهدف من هذه الندوة التي رافقها شريط وثائقي عرضته الشاشة الإلكترونية عمّا يحدث في غزة وفلسطين واستغاثة الأطفال قبل استشهادهم: واعرباه! واإنسانيتاه؟.
وطرح مدير الندوة وضاح سواس أحد أعضاء المؤسسة العديد من الأسئلة، وكان أوّلها: ماذا يعني الوطن؟ ليجيبه الدكتور فاروق أسليم عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب من خلال محوره المعنون بـ”تأصيل العلاقة بين البلدين”، مرتكزاً على أبعاد متعددة، أولها مقولة القائد الخالد حافظ الأسد: “إن فلسطين تمثّل جنوب سورية، وسورية تمثّل شمال فلسطين”، وثانيها أنهما وطنان لا يفصل بينهما شيء، وهما جزء من حوض حضاري واحد، وسياق حضاري واحد، وتاريخ واحد توحد فيه الناس لغة وثقافة ومقاومة العدوان على الأمة العربية الواحدة، مع تمتع كل واحدة بخصوصيتها.
وتابع أسليم حديثه عن المنظومة الزمنية التاريخية الجغرافية عبْر العصور، مضيفاً: “بلاد الشام واحدة، وكم تصدت لأعدائها عبْر التاريخ ومنهم الصليبيين، وكيف قاومت لتنتصر ليس لدمشق والقدس فقط، بل للأمة العربية، وكيف بقي المجال الحيوي الانتمائي والاجتماعي والتجاري والثقافي واحداً.
فلسطين السورية الإغريقية
وعندما سأل سواس: كيف يكون الولاء تطابقاً وإخلاصاً ووفاءً؟، أجابه يوسف جوهر أمين شعبة الشهيد تيسير الحلبي لحزب البعث العربي الاشتراكي بأهم نقاط عنوان محوره “سورية وفلسطين انتماء واحد ومصير مشترك” وقال: “الوطن العربي بقعة واحدة وشعب واحد ينتمي إلى ما قبل التاريخ بهوية واحدة وثقافة ولغة مشتركتين، والهدف من الحدود هو السيطرة على الدول العربية وتفرقته، وفلسطين جزء إقليمي من سورية الكبرى، ولم يظهر مصطلح فلسطين إلاّ في القرن الخامس قبل الميلاد من خلال “هيرودوتس” الذي كتب عن منطقة اسمها فلسطين في سورية، تقع بين فينيقيا ومصر وهي واحدة من 16 مقاطعة، وكانت تسمى لقرون عديدة “فلسطين السورية، فلسطين الإغريقية”، ولقد دحض المؤتمر الأول العربي الفلسطيني ادعاءات الصهيونية العالمية، لأنها أرض عربية للفلسطينيين، وتوالت الأحداث وصولاً إلى عام 1948، وتشارك في دعم الباطل بريطانيا المنتدبة لفلسطين وأمريكا وفرنسا والعصابات الصهيونية التي سهّلت الدخول لفلسطين من خلال ارتكاب المجازر العظيمة في دير ياسين والمعمداني والطنطورة، وصولاً إلى مجازر غزة وتهجير الشعب الفلسطيني، وسورية تقف مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني يقف مع سورية، وستبقى فلسطين قضية الأمة العربية”.
وعي الانتماء والمواطنة الرقمية
وقبل أن يبدأ سواس سؤاله الثالث، لفت إلى مشاهد على الشاشة لأطفال فلسطين وهم يلعبون ببراءتهم في وطنهم بين أنقاض قذائف الصهاينة، وأطفال آخرين في قاعة صف يتعلمون في مدرسة تدمرت جدرانها وتمزقت سبورتها الخضراء، بينما صراخ طفلة تحمل كتابها وتهرب من قذائف الموت يشعل قلوب العالم بالألم، مؤكداً: “وطن لديه هؤلاء الأطفال لن يُغلب”، وتابع سائلاً: “هل ركزت جامعاتنا على ترسيخ أبعاد المواطَنة؟”، ليجيب الدكتور مصطفى أفيوني مدير جامعة حلب سابقاً: “محوري يلخص مفهومي الانتماء والولاء للوطن من خلال جيل الشباب الذي أنطلق إليه من محوري “دور التعليم في ترسيخ ثقافة المواطنة”، وثقافة المواطنة حقوق وواجبات، ارتباط بالأرض والتاريخ والحاضر والمستقبل، لأن الانتماء ليس شعارات ومفاهيم، والحرب الكونية على سورية أثبتت أن الجيل الشاب منتم ووفي، وكم من قذائف الحقد سقطت على المدارس والجامعات بينما الطلاب مستمرون في التعلّم وطلب العلم، كنا نعمل يومياً إداريين ومعلمين وطلاباً، ونهب لإزالة الأنقاض، وكم كان هناك شهداء، لم يتوقف العلْم ولا ساعة رغم الحرب، ولم يتوقف المواطنون كذلك عن وطنيتهم، وكما قال السيد الرئيس بشار الأسد: “استعداد المواطنين لتقديم أغلى ما يملكون من أجل الذود عن سورية”.
ولفت أفيوني إلى أن ثقافة المواطَنة تتأسس من خلال تربية روح الانتماء التي تبدأ من الأسرة، وتنمّيها المؤسسات التعليمية، وتتجسد بتعابير مختلفة منها تقدم الوطن مدنياً وصناعياً وتجارياً وثقافياً ومعرفياً وفنياً ومحورها الأساس التحصيل العلمي الذي يساهم بوعي وتوعية في التفريق بين المواطّنة وانتمائها وولائها وبين “المواطَنة الرقمية” بمفهومها أن كل من يستخدم أدوات ووسائل التكنولوجيا هو “مواطن رقمي”، ولا بد من وعي وطني للاستخدام الإيجابي لهذه الأدوات والوسائط والوسائل”.
الهوية الوطنية تنتصر
وتحت عنوان “الانتماء وتعزيز دور الهوية الوطنية في محور المقاومة”، أكّد باسل الدنيا رئيس مجلس أمناء مؤسسة “أرض الشام” أنّ القضية الفلسطينية بوصلة ثابتة لن تتخلى عن ثقافة المقاومة، كذلك سورية وشعبها، وهذا ما يشكّل انعكاساً واضحاً للانتماء الواحد والهوية الواحدة، مبيناً: “لن تؤثر أساليب الاحتلال القديمة أو الحديثة على هذا النهج وجذوره الممتدة في أعماق التاريخ وأساس الحضارة، لأنه نهج قائم على الوعي بالانتماء للأرض وهذا الوعي لا يمكن أن تسيطر عليه الصهيونية التي أينما حلّت صنعت الشقاق، لكن، بالنسبة لشعب واحد يمتلك قوة الانتماء والهوية الوطنية فلن يُهزم، بل يَهزم وينتصر”.
ما الجدوى الإيجابية؟
وأراني أتساءل: أين الحضور، ولا سيما من الجيل الشاب والطلاب وفئات المجتمع الأخرى، لكون الإعلاميين والمشاركين وثلة قليلة من المهتمين ليست هي فقط المستهدفة؟ وماذا لو كان هناك مزيد من تنظيم الوقت الذي كان ضائعاً، لكن، ليس على طريقة رواية “بروست”، بل في الانتظار الأول من أجل المزيد من الحضور البشري والكهربائي، وفي الانتظار الثاني الذي لم يكن مؤتمراً صحافياً لتصريحات المشاركين، بل كان وقتاً إضافياً لتصريحات متفرقة إلى أن بدأت الندوة التي كانت أقرب إلى محاضرات تاريخية وجغرافية ومعلومات أغلبها مكرر، وإضاءات على الواقع المعاش، وكم تمنينا لو أنها تضمنت اقتراحات بأبعاد رؤيوية فاعلة تفكر كيف تعيد الوطن العربي إلى انتمائه وهويته وقضيته التي ما تزال تعاني مجازر الإبادة، وتلفت الجيل القادم إلى ضرورة اختراعه للبرامج التكنولوجية العربية والعالمية كسلاح آخر ومهم في هذا الزمان وفي هذا المجال.