الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

تخوّف

عبد الكريم النّاعم 

قال: “لا أستطيع فهْم ما يجري في الأرض المحتلّة، وحولها، ففي كلّ يوم تصريح جديد للأمريكي، وبعض ما يقوله، أو معظمه له داعموه من حكّام عرب”.

أجابه: “معك حقّ، متى كانت أمريكا مفهومة، إنّ الغموض أحد سياساتها المتّبعة، والتّناقض هويّة في سلوكها، لأنّها لا تتمتّع أصلاً بصدقيّة، لذا فإنّ مَن يتابعها كمن يسير في حقل ألغام يجهله، لا تدري متى ينفجر بك، أمّا حال “حكّام العرب”، الذين عنيتَهم، فهو حال مّن لا يملك من أمره ألاّ الانصياع للإرادة الأمريكيّة”.

قاطعه: “ألا ترى أنّ الحلول، أو اقتراحات الحلول، المُتداولَة في الإعلام، يضيع فيها مَن يريد متابعتَها؟”.

أجابه: “ذلك هو الواقع القائم، وأنا لديّ من التخوّفات الشيء الكثير، وأكثر ما يُخيفني طرح حلّ الدّولتين.. ولكنني لستُ ضد أن تكون للفلسطينيين دولة، بمعنى الدولة، وهذا قرار أممي منذ بداية احتلال الصهاينة للأرض المحتلّة، وتبعتْه قرارات أخرى تُلزم “إسرائيل” بالعودة إلى حدود 1967، ظلّت حبراً على ورق، لأنّ واشنطن تعارض تطبيقها، ولو أرادتْ لأجبرتْ تلّ أبيب على ذلك، وهي قادرة، ولكنّها لا ترغب إلاّ فيما تريده “إسرائيل”.

قاطعه: “إذن كيف تتساهل مع هذا الطرح الآن”؟.

أجابه: “هنا مربط “البغل”، الذي لا شكّ فيه أنّ واشنطن لا تريد هزيمة “إسرائيل”، لكنّ عجز “إسرائيل” عن تحقيق ما أعلنت عنه، أربك واشنطن كما أربك عدداً من العواصم العربيّة، يُضاف إلى ذلك تلك المظاهرات التي شملت العديد من مدن الغرب، والتي زادت في إحراج مَن عنيت، لذا فهم، نتيجة صمود المقاومة، بدؤوا بالبحث عن خطط بديلة، تحقّق لهم أهدافهم، وتُخرجهم وتخرج “إسرائيل” من هذا المأزق”.

قاطعه: “كيف ترى تلك الخيارات”؟

أجابه: “طُرح بقوة موضوع الدولة الفلسطينية، بمعنى أن يكون ثمّة دولتان في الأرض المحتلّة”.

قاطعه: “وهل هذا مزعج”؟!

أجابه: “لم أُكمل بعد، السؤال الأساس ما شكل هذه الدولة؟ هل ستكون دولة منزوعة السلاح، وهذا قد يرحّب به أيتام “أوسلو”، وهذا بدوره سيُحدث شرخاً في الصفّ الفلسطيني، ويضيق شروخ المجتمع الصهيوني التي حدثت نتيجة المعركة، وبذلك نعود إلى المربّع الأوّل، ويجري شطب دور معركة 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ويُصبح ما أُقرّ في أوسلو هو المنطلق، وفي ذلك من الخطورة ما فيه، وتنتقل المعركة من مواجهة الاحتلال الصهيوني إلى مواجهة بين الفصائل الفلسطينية، وسيكون هذا مدعوماً من قِبل الأمريكيين، وعرب أمريكا، وثمّة سؤال أساس، وهو: هل الاعتراف بدولة فلسطينية سيبيّن حدود “إسرائيل”، أم أنّ حدودها ستظلّ – كما قال أحد قادتها – “حيث تصل دبّاباتنا”.

إنّ طرح هذه الدولة في هذا الوقت هو طرح مشبوه، وما من عاقل يرفض وقيام دولة فلسطينية، على حدود 1967، بيد أن قيادات “إسرائيل” لن توافق على ذلك، لأنّها تعلم أنّه بداية النهاية، كما أنّه بداية انهيار الجدار العربي الرسمي المنصاع للإرادة الأمريكيّة، مشفوعاً بتحوّل عالمي كبير في فضح الجرائم الإسرائيلية التي هي جرائم حرب، لقد عرفت قيادات الغرب المتصهين أنّ كل الاختراقات التي أحدثتْها، في القصور الرسميّة العربيّة، لم تُغيّر شيئاً في رفض الشعوب العربيّة الواحدة، لدولة الاحتلال والإبادة، وهذا مأزق تاريخي لا يمكن إنكاره، ولا تجاوزه، ولذا فهم في حالة من الارتباك المفضوح”.

قاطعه: “والنتيجة”؟

أجابه: “النتيجة متوقّفة على مدى صمود المقاومين وداعميهم، لأنّ ما يجري هو بداية تأسيس لتاريخ جديد لا يكتبه المحتلّون، ولا مَن يساعدهم من حكام المنطقة”.

aaalnaem@gmail.com