بين المحلية الصرفة والعالمية بمتطلباتها.. “أوراقنا المالية” حلم دونه شركات كبرى وأدوات متطورة!
دمشق – قسيم دحدل
مقابل تطور وتنوع وتعدد أساليب المضاربة، يظل أسلوب الاستثمار ثابتا لا يتغير، وهو الاستثمار على المدى الطويل، الذي لتحقيقه يمكن استخدام أدوات تحليل مبتكرة وبيانات وافرة وافية وتقنيات حديثة، إلا أن فكرته الأساسية لم تتغير، وهي الشراء في الأسهم لأهداف طويلة الأمد، لا تقل عن خمسة أعوام، بحسب كثير من الخبراء، لذا يقع كثير من المتعاملين في الأسهم في التباس تحديد أي من الطرق الأفضل لتحقيق الربح، هل هي المضاربة أم الاستثمار؟
مصدر الصعوبة، في الإجابة عن هذا السؤال الشائع، أن هناك عوامل كثيرة تحدد قرار الاختيار بين المضاربة والاستثمار في الأسهم، أهمها حقيقة الشخص السائل نفسه، من حيث أهدافه وسلوكه وحجم رأسماله والفترة الزمنية المنشودة، ثم هناك أنواع الأسهم المستهدفة من قبل الشخص، وهناك السوق المراد الاستثمار من خلالها، وغير ذلك.
لم يتغير شيء في حقيقة أن الاستثمار طويل المدى في الأسهم هو الحل شبه المضمون لكثير من الناس، ويتضح ذلك من البيانات التاريخية لحركة الأسهم في جميع دول العالم، حيث سجلت العوائد السنوية التراكمية وفقا لدراسات في هذا الشأن، 10%.
أما المضاربة فلا تزال جاذبة لكثير من المتعاملين، وهم في الأغلب صغار المتداولين، أو أولئك الذين يضاربون بمبالغ قليلة نسبيا مقارنة برؤوس أموالهم، أو أن لدى المضاربين المحترفين، وهم المؤسسات المالية، أموال معدة لذلك، وسبب انجذاب الأفراد نحو المضاربة هو أن الاستثمار على المدى الطويل غير مجد باستخدام مبالغ قليلة (المدخرات العقيمة).
وبالنسبة لسوق دمشق للأوراق المالية، فإن خيارات المتعاملين فيها محدودة بطبيعة الحال، لذا فإن الاتجاه نحو الاستثمار طويل الأمد هو الحل الأنسب لمعظم الناس، ويتم ذلك إما بتصميم محفظة من عدة شركات ومتابعة أدائها وتعديلها قليلاً من فترة إلى أخرى، أو الاتجاه إلى الصناديق الاستثمارية إن وجدت، أو اختيار أحد الصناديق المتداولة التي تتبع أداء مؤشرات معينة، بحيث يتحقق للشخص أداء الأسهم المستهدفة دون متابعة من قبله، مع الأخذ في الحسبان أن طول المدة في حالة الصناديق الاستثمارية العادية أو المتداولة يعني استقطاع نسبة عالية من الأرباح في نهاية المطاف، أما المضاربة اليومية في الأسهم السورية فهي غير مناسبة لمعظم المتداولين بسبب ارتفاع عمولة التداول واتساع الفارق بين أسعار العرض والطلب ومحدودية أدوات التحوط أو انعدامها تماما، لذا يلجأ بعض المضاربين إلى المضاربة بأسلوب “سوينج” وهو المضاربة على فترات زمنية طويلة نسبياً، تمتد إلى عدة أسابيع في كثير من الحالات.
هذه المعوقات أمام المضارب المحلي تجعل الحلول المتاحة أمامه إما الاتجاه إلى الأسواق الخارجية أو الابتعاد عن المضاربة قصيرة المدى في السوق المحلية والانتظار إلى أن تصبح بيئة التداول مشجعة للمضاربين.
لأجل ذلك، لا بد من خطوات تطويرية من شأنها دعم نشاط المضاربة في السوق، وتشمل: افتتاح سوق العقود المستقبلية وسوق عقود الخيارات قريباً، إلى جانب السماح بالبيع على المكشوف والعمل بآلية صناع السوق، وإتاحة التداول اليومي، التي من خلالها يسمح للمتداول بالحصول على ثلاثة أضعاف رأسماله كسيولة خالية من الفائدة متاحة لمدة يوم واحد فقط، بحسب شروط وضوابط معينة.
وهذه الخطوات التي تحتاج لسوق أوراق متطورة ولشركات كبرى وهي على المديين المنظور والمتوسط من غير الممكن تحققها في سوق دمشق للأوراق المالية، حسبما أفادنا به مصدر من هيئة الإشراف على السوق، ستفيد بلا شك في رفع نشاط السوق السورية وتحسن جاذبيتها أمام المتداولين، في الداخل والخارج، في حال طبقت مستقبلاً، إلا أن هذا يبدو أقرب للحلم حالياً، حيث لا تزال تحبوا في هذا المضمار من الأعمال.
تبقى هناك جوانب تتعلق بحرية المضاربة، إن صح التعبير، وهي أن المضارب في السوق المحلية معرض لمخاطر انتهاك لائحة سلوكيات السوق، وذلك بسبب غموض اللائحة في مواضع، وسهولة تفسير بعض التصرفات على أنها مخالفة، لاسيما وأن العقوبات شديدة ومكلفة، وهنا يمكن القول: إن أساس المشكلة يكمن في أن السلوكيات العادية والتي تمارس يومياً في الأسواق الخارجية، تُفسر في سوقنا على أنها جريمة، وهذا ما يحد من المضاربة النظيفة والمطلوبة، والتي يمكن إن وجدت أن نصل للعالمية بسوق أسهمنا.