ثقافةصحيفة البعث

حسن م يوسف: الذكاء الاصطناعي لن يحلّ محل الإنسان في إنتاج الإبداع الأصيل

أمينة عباس    

كاتب كبير وشخصية متفردة في تعاطيها مع الحياة، لم يركن في مسيرته الحياتية والمهنية لما هو مألوف ومعتاد، بل تفاعل مع متغيّرات عصره وسارع إلى مواكبة كل ما هو جديد على صعيد الثورة التكنولوجية، فقارَبَها ووظّفها لخدمته، مصرّاً على أن يكون فاعلاً ومتفاعلاً مع كل ما يجري بدلاً من أن يكون شاهد عيان فقط على متحولات العصر الحالي.

ما مفهومك الشخصي لمصطلح الذكاء الاصطناعي؟.

الذكاء الاصطناعي فرع من علوم الحاسوب، يهدف إلى تطوير أنظمة وبرامج تقوم بمحاكاة قدرات العقل البشري مثل التعلّم والاستنتاج وحل المشكلات، ويقوم الذكاء الاصطناعي على تقنيات عدة، أهمها التعلم الآلي وشبكات الأعصاب الاصطناعية ومعالجة اللغة الطبيعية، وهو يسعى إلى تطوير نظم ذكية قادرة على اتخاذ القرارات والقيام بمختلف الأنشطة التي يقوم بها الإنسان.

متى يصبح الذكاء الاصطناعي مصدر خطر حقيقياً على الإبداع؟.

الذكاء الاصطناعي مثل كل الإنجازات العلمية التي توصَّل إليها الإنسان، إذ يمكن أن يكون خطراً على الإبداع إذا تمّ استخدامه بطريقة غير مسؤولة أو غير أخلاقية كأن يُبرمَج الذكاء الاصطناعي لتوليد محتوى فني مزيّف أو تزوير أعمال فنية لا تخدم الإنسان والمجتمع، أو إذا تم استخدامه للتلاعب بالأفكار أو لقمع الحريات الفردية كأن يستخدم تقنيات لرصد ومراقبة الأفراد بشكل غير قانوني مما يقيد حرية الإبداع، ولتجنّب وقوع هذا الأمر يتوجب على المطوّرين والمستخدِمين الالتزام بمبادئ الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية في تصميم واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولتحقيق ذلك لا بدّ من وضع معايير وآليات لتنظيم وضبط تطبيقات الذكاء الاصطناعي للتأكد من أن يكون تأثيرها إيجابياً على المجتمع وعلى الإبداع بشكل عام.

هل أنت مع اتخاذ بعض الإجراءات لتشجيع التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي؟ وكيف يمكن تحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة مفيدة لتعزيز الإبداع البشري؟.

لا شكّ في أن التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيداً إلى حدّ كبير في تعزيز الإبداع البشري، فالذكاء الاصطناعي يستطيع أن يساعد البشر في إنجاز المهام بشكل أسرع وأكثر دقة، ويمكنه أيضاً أن يلهم الإنسان بأفكار واستنتاجات جديدة تجعله يشرف على حقبة غير مسبوقة من الإبداع في كل الاتجاهات ومختلف المجالات، فالذكاء الاصطناعي يُستخدَم الآن في مجالات التصميم والإبداع الفني، وهو يقوم بتوليد أفكار جديدة تحسّن عملية الإبداع الفني، كما يُستخدَم الذكاء الاصطناعي في مجالات الكتابة والموسيقا لتوليد محتوى إبداعي جديد، ومن المتوقع أن يتمّ تعميم تجربة المذيع التلفزيوني ـ الروبوت بحيث تنتهي أخطاء المذيعين المضحكة مرة واحدة وإلى الأبد.. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحليل البيانات وتقديم استنتاجات ورؤى جديدة أكثر دقة تساعد البشر في اتخاذ قرارات أفضل وأكثر إبداعاً، لكن لا بد من أن يكون هذا التعاون مبنياً على القواعد الأخلاقية ومبدأ المسؤولية الاجتماعية، لذا ينبغي توجيه الذكاء الاصطناعي لخدمة الإبداع البشري وتعزيز قدرات الإنسان وتحفيزه على التفكير الإبداعي بدلاً من إزالته من المعادلة.

وهل تعتقد أنه يمكن للبشر تعليم الذكاء الاصطناعي الأخلاقيات والقيم بما في ذلك القيم الإبداعية؟ وكيف ومتى يتم ذلك؟.

نعم، يمكن تعليم الذكاء الاصطناعي مبادئ الأخلاق والقيم بما في ذلك القيم الإبداعية، شريطة دمج الأخلاق في المناهج الدراسية لتعزيز شعور الطالب بالمسؤولية الاجتماعية في كل مراحل التعليم، حتى إذا كبر وأصبح مهندساً أو مبرمجاً في مجال الذكاء الاصطناعي قام بشكل تلقائي بالحفاظ على المصلحة العامة والأخلاق، كما أنه من الضروري في مستويات التطوير العليا أن يتم إشراك الفلاسفة وأبرز المربين في عملية تأهيل صنّاع الذكاء الاصطناعي من خلال إقامة ورشات مشتركة للعصف الذهني يتم خلالها البحث عن أفضل السبل لدمج المعايير الأخلاقية بالذكاء الاصطناعي.

ماذا عن أهمية حاجة المجتمعات في المستقبل إلى وضع قوانين ولوائح لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول في القطاعات الإبداعية؟.

لا شكّ في أن التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيداً إلى حدّ كبير في تعزيز الإبداع البشري، فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد البشر في إنجاز المهام بشكل أسرع وأكثر دقة، ويمكنه أيضاً توفير أفكار جديدة تلهم الإنسان المبدع، وقد يصبح هذا التعاون عقيماً وخطيراً ما لم يكن مبنياً على الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية.. أما كيف يتم تعليم الذكاء الاصطناعي الأخلاق ومتى يتم ذلك فقد بدأ ذلك منذ اختراع أول إنسان آلي، إذ تمت برمجة ذلك الروبوت وفق ثلاثة مبادئ تهدف لضمان سلامة وأمان البشر واستخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول وأخلاقي وتقوم على: لا يجب على الإنسان الآلي إيذاء البشر أو السماح بحدوث إصابة للبشر بسبب تصرفاته، وإطاعة الأوامر التي تعطى له من قبل البشر وعدم تجاوزها، والمحافظة على سرية المعلومات التي يتعرف عليها خلال عمله، وألّا يقوم بكشف هذه المعلومات من دون إذن، وأحسب أن هذه المبادئ الأخلاقية الثلاثة ما تزال تصلح لزمننا أيضاً.

كل الذين حذّروا من سوء استخدام الذكاء الاصطناعي لم يطالبوا بالتخلص من هذه التكنولوجيا، فأي ضرورة لها اليوم؟.

الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا بالغة الأهمية والقوة يمكن للبشر الاستفادة منها في مجالات متنوعة مثل الطب والتكنولوجيا والصناعة والإبداع.. الذكاء الاصطناعي يتغلغل الآن ببطء وعمق وشمول في كل تفاصيل الحياة، لذلك لا يُطالب الكثيرون بالتخلص من تطبيقاته، بل يُشددون على ضرورة استخدامها بشكل مسؤول وأخلاقي.. الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يقدم حلولاً فعالة ومبتكرة للتحديات التقنية والمشكلات الكبيرة التي تواجه البشرية في العديد من المجالات، فهو يساعد على وقف الهدر وتحسين الإنتاج، وهو بالتالي يساعد على تحسين جودة الحياة للأفراد من خلال تقديم حلول ذكية في مجال الصحة والتعليم والبيئة، وما يجنّب البشرية مخاطر الذكاء الاصطناعي المحتملة ويؤهلها للاستفادة من قدراته الجبارة هو استخدامه بشكل مسؤول وأخلاقي.

كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي الكاتب في عمله؟ ومن هو الكاتب الذي يفشل في تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمته ويتحول هو لخادم له؟.

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد الكتّاب في توليد الأفكار من خلال تحليل البيانات والإحصاءات التي تساعد المبدع على فهم قرّائه والتوجه إليهم بشكل أفضل من خلال تقديم اقتراحات وتفاصيل ومواضيع تغني تجربته وتساعده في تطوير بنية عمله الإبداعي، كما يمكنه مساعدة الكتّاب في تحرير نصوصهم وتنقيتها من الأخطاء المطبعية والقواعدية والإملائية، أما الكاتب الذي يفشل في تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة عمله فهو من يستخدم الكمبيوتر كآلة طابعة صمّاء عمياء من دون أن يتفاعل معها بشكل عميق نتيجة الكسل أو العجز في فهم كيفية استخدام التقنيات الذكية بشكل صحيح وفعال، وهناك كتّاب يُؤسطرون الطقوس القديمة لعملية الكتابة فيتغزلون برائحة الحبر وصرير الريشة وملمس الورق، وبعض هؤلاء يرفضون التعاطي مع التكنولوجيا الجديدة والذكاء الاصطناعي ويفضّلون البقاء على طرقهم التقليدية بدلاً من استخدام التطورات التكنولوجية المريحة والمفيدة في كتاباتهم، والنسخة الأكثر بؤساً المعاكسة لهؤلاء هم أولئك القلة من الكتّاب لتابعين الذين أحالوا عقولهم على التقاعد وألحقوا أنفسهم بالذكاء الاصطناعي لعجزهم عن فهم كيفية استخدام التقنية بشكل مبتكر وإبداعي، أو عدم قدرتهم على تطبيق المعرفة المستفادة من الذكاء الاصطناعي في عملهم بشكل فعال.

ما هو تأثير الذكاء الاصطناعي على صياغة مستقبل النشر والأدب في ظل الفرص والتحديات التي تواجهها صناعة المعرفة مع التطور غير المسبوق له؟ وهل يمكن أن تسيطر الروبوتات في المستقبل القريب على عالم الفن والأدب؟.

أحسب أنه سيكون من الخفّة وعدم الشعور بالمسؤولية أن يتنطح كاتب مثلي للإجابة على هذا السؤال الكبير، فأنا لست مطلعاً على حاضر الذكاء الاصطناعي الذي يتطور كل يوم كي أتحدث عن مستقبله، لكنني أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهّل عمل الكاتب، كما من شأنه أن يغيّر طبيعة النشر والعلاقة بين الكاتب والقارئ بحيث يمكن في المستقبل القريب أن يقوم الكاتب بوضع مسارات ونهايات عدة لروايته كي يختار القارئ ما يوافق مزاجه منها.

مع كل التطور التكنولوجي الكبير الذي نشهده اليوم هل أنت مؤمن بأن الإبداع البشري لن تحاكيه أية آلة؟ وأنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلّ مكان البشر في الإبداع؟.

أحسب أن الإبداع سيبقى حكراً على بني البشر لوقت طويل، أما المحاكاة فهي شيء آخر، ويستطيع الذكاء الاصطناعي حالياً أن يحاكي أي عمل فني سواء كان لوحة مرئية أم مقطوعة موسيقية مسموعة أم نصاً مقروءاً.. الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يحاكي إبداع البشر، لكنه لن يتمكن في المستقبل القريب أن يحلّ محل الإنسان في إنتاج إبداع الأصيل.

كيف ترى المستقبل الذي ينتظر البشرية في حال استسلامها لقيادة روبوتات قادرة على رسم لوحات فنية وكتابة أعمال أدبية وموسيقية، وحتى التفكير نيابة عن الإنسان؟.

أعترف أن ما يحدث في العالم يثير قلقي لا على مستقبل الأدب والفن وحسب بل على مستقبل النوع البشري، وقد سبق أن قُدّمت أعمال أدبية وسينمائية عدة عن هذه الفرضية كان معظمها متشائماً، والقليل منها يدعو إلى التفاؤل.. ما يقلقني هو أن الذكاء الاصطناعي يحاكي الذكاء البشري، وقد اخترع الذكاء البشري عبر تاريخه كميات هائلة من أدوات القتل والتدمير تكفي لإبادة الحياة على سطح كوكبنا الأزرق آلاف المرات، غير أنني على الرغم من هذا أحاول أن أبقى متمسكاً بمقولة “غرامشي” حول تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة.