لجينة الأصيل فنها مرآة صادقة لذاتها
جمان بركات
حققت الفنانة لجينة الأصيل التي رحلت عن عالمنا منذ أيام، حضورها في الساحة التشكيلية عبر مخاطبتها الطفل في لوحاتها، ففي رصيدها الفني أكثر من 200 لوحة فنية و80 كتاباً للأطفال، و7 أفلام رسوم متحركة. أقامت العديد من المعارض في سورية ولبنان والأردن وفرنسا وإيطاليا، وحصلت على جوائز عديدة.
معرضها الفردي الأول كان بعنوان: “البحث عن الذات” ومنذ عامين أقامت معرضاً بعنوان: “العودة إلى الذات” وعن الفترة الزمنية التي عاشتها الفنانة الأصيل بين هذين المعرضين تقول: “كل ما تم كان ضمن محاولة لفهم الإنسان أكثر من خلال العالم المحيط به، والأصوات التي يسمعها، أصوات الموسيقا والعصافير والريح، من خلال الألوان التي يراها، وكذلك من خلال غضب الطبيعة المشابه جداً للحالات الإنسانية، فهذا كله بحث، ولكن في البداية كان بحثاً عن الذات في أعماقي أنا، لأنه عندما يريد المرء أن يفهم أي شيء من حوله يجب أن يفهم نفسه أولاً وقبل كل شيء، وأنا لا أدعي أنني فهمت نفسي بشكل كامل، لأن هناك أشياء يبقى الإنسان يبحث عنها وهو يشعر أنه لم يصل إلا لجزء صغير من اللغز الغامض الذي هو العالم من حوله، والعالم في داخله، فاللوحة تفسير لأشياء أجهلها شخصياً، فيها محاولة كشف علاقتي مع الداخل والخارج، وبالنسبة لي أحب رسم الأطفال وأمارسه بشغف وصدق، وهذا المطلوب من رسام الأطفال، وباعتقادي أن النقلة التي حاولت أن أضيفها إلى رسوم الأطفال هي أن تصبح لوحة فنية حقيقية تحمل إضافة إلى التكوين حساً وعاطفة تميز اللوحة عن أي عمل آخر فهي جزء من الفنان.
كما تنظر للعلاقة بين الفنان وعمله ككلّ لا يمكن تجزيئه مهما كان نوع هذا العمل، وكلما ازداد عشق الفنان وشغفه بلوحته، كلما استطاع أن يعيش حالة فصل تام عن المحيط الخارجي تؤهله للتوغل في أعماق الذات لتصبح اللوحة مرآة صادقة تعكس أحاسيسه وأحلامه، ثقافته وطموحاته، وكلما قويت هذه العلاقة بات العمل أمتن وذا حضور أقوى، وبالمقابل إذا لم تنشأ هذه العلاقة الوجدانية فمن الصعب أن يصل الفنان للحالة الإبداعية المثلى التي تحرره وتحرّض مكامن الإبداع لديه، وتذلل الصعوبات التي يمكن أن يمر بها العمل الفني”.
وفي أحد الحوارات معها عبرت عن طبيعة علاقتها بلوحتها التي تمثل بالنسبة لها الحلم والأمل والألم في الوقت نفسه، وتضيف: “هي راحتي وحريتي والحيز الذي أبثه همومي وأحاسيسي، ففيها الفرح والغضب، الخطأ والصواب، الحب والكراهية، فيها إنسانيتي، اللوحة هي رحلة في عالمي الداخلي ورؤيتي الخاصة لفلسفة اللون وتداعيات وقواعد التكوين المرئي واللامرئي، أما لوحة كتاب الطفل فهي رحلة في عالم الخيال والدهشة التي يصنعها الإبداع، هي عطائي، أمومتي، وسلامي الداخلي، وباختصار: لوحتي هي عشقي وقلقي الذي لا ينتهي”.
وكانت ترى أنه كي يستطيع الفنان مواكبة عقل الطفل يجب أن يكون “واثقاً من نفسه ليعطي ثقة للطفل، ودائماً عندما نحب ما نقدّمه سيحبه المتلقي، لكن يجب أن نحبّه عن جدارة وبشغف وصدق، فهناك تعب حقيقي وُضع لإنجازه، لذا الفنان عندما يقدّم عملاً أصيلاً وقيماً فأي طفل مهما كان متعلّقاً بالكومبيوتر أو أي ألعاب الكترونية سيحبّ هذا العمل، خاصة أن الكتاب أو المجلة لها خصوصية عند الطفل، لأنه يشعر أنها ملكه يضعها تحت وسادته ويقرأها قبل النوم. وطبعاً لهذا الأمر علاقة بالأهل وكيفية تنمية هذا الموضوع لدى أطفالهم.
في السنوات العشرين الأخيرة انصب اهتمام الفنانة الأصيل على البحث في مدى تأثير رسوم كتب الأطفال على تكوين شخصية الطفل وكيفية تطوير الكتاب فنياً ليحترم عقله ويواكب تطلعاته، وبدأت بمشروع “لوحة في كتاب الطفل” وإقامة الورشات للفنانين الشباب بهدف تعريفهم برسوم كتب الأطفال، وورشات أخرى للأطفال، ورأت أن أهم العوامل التي يجب أن تتوفر في الكتاب لكي يصل للطفل بنجاح، أن تكون الرسوم قادرة على تركيز المفاهيم الأساسية والصحيحة في عقله ووجدانه من خلال القراءة البصرية، وضرورة أن تغذي هذه الرسوم غريزة حب الاستطلاع لدى الطفل بتراثه وحضارته، كما يجب أن تحمل هذه الرسوم هموم وجمال بيئته، وهذا يعني أن يتحلى الفنان برصيد كاف عن بيئته، بحيث يستطيع أن ينقل هذا المخزون بفنية وأمانة للطفل دون تكلف وضمن قالب فني يحترم عقل الطفل وينمي ذائقته الفنية، فالرسوم ذات المستوى الفني المتميز لها دور هام في تنمية هذه الذائقة، خاصة وأن نمو الحس الجمالي لا يأتي بالفطرة، بل يتطلب تدريباً وجهداً كبيرين، وهذا يؤكد ضرورة أن يكون الفنان المتوجه للطفل متمكناً فنياً ليستطيع تحقيق هذا الهدف.
أما رسالتها للأطفال فهي: “اجعلوا الرسم مصدر متعة لكم، ليصبح الكتاب أداة فرح وبهجة، وأحبوا ما تقومين به، فالحب رسالة سامية تنطلقون عبرها إلى عوالم الجمال والنقاء والسمو”.
بطاقة تعريف
الفنانة لجينة الأصيل من مواليد دمشق 1946 وهي فنانة تشكيلية وكاتبة عملت بتدريس رسوم كتب الأطفال والعمارة الداخلية في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وقدمت عشرات المحاضرات في مجالها وأشرفت على العديد من ورشات العمل برسوم كتب الأطفال داخل سورية وخارجها مثل إيطاليا والكويت والإمارات وتونس ولبنان، وصمّمت لجينة العديد من الحملات الإعلانية والديكور والشخصيات المسرحية وعرائس للأطفال، ورسوم عشرات أفلام كرتون، بالإضافة إلى كتابة العديد من نصوص السيناريوهات لمجلات الأطفال وتصميم ورسم أكثر من 70 كتاباً للأطفال صدرت في سورية ولبنان، والأردن، ومصر، والإمارات، ونالت العديد من الجوائز والتكريمات، واعتمدت خبيرة فنية لكتب الأطفال في وزارة الثقافة.