دراساتصحيفة البعث

في وعي اللحظة التاريخية

هي اللحظة التاريخية، وذلك الوعي النازع للامساك بها ,عند ضرورات الواقع المتغير على الدوام . تلك هي إحدى فضائل اللقاء مع الرفيق الأمين العام للحزب الدكتور بشار الأسد مع مفكرين ومثقفين وأكاديميين بعثيين, في تحفيزه لإعادة إنتاج الثقة, بالوعي الفردي والجمعي, في أن يتجدد ويشتغل على موضوعه في فهم وتحليل الظواهر, حين كاد أن يستكين عند حدود القائم في بنية الحزب الفكرية والتنظيمية, كما لو أنها مسلمات, فتغدو عصيّة على التغيير والتطوير, أو تصبح خارج ضرورات التطوير. إعادة إنتاج المعرفة حول “البعث”,لا تحتاج عنصر التحفيز الذاتي وحسب, بقدر ما تحتاج إلى الإيمان بمستقبل البعث, وضرورة أن يواكب ما يجري حالياً على المستوى الوطني, من إعادة هندسة لدور الدولة الاقتصادي والاجتماعي, لجهة الكفاءة والفاعلية بما يضمن المزيد من الديمقراطية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية, تستجيب لمتغيرات الواقع وتطور بناه المجتمعية بعد الحرب.

يستدعي كل ذلك أن تعود بنية الحزب الفكرية لتنسجم مع البنية التاريخية الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة على الدوام, إذ تتوقف فاعلية وكفاءة تلك البنية العقائدية والفكرية للحزب على التطور وتحديث أطره التنظيمية بقدرتها على إعادة  فهم، واستقطاب المزيد من ديناميات المجتمع, بما يسهم حينها في الاندماج الواعي بمشروع إعادة البناء والتنمية لسورية بعد الحرب .

ولنأخذ مثالاً, كيف أن الحزب كان مبادراً ليجيب على هواجس بعثيين وأكاديميين واقتصاديين من خلال المؤتمر القطري العاشر في العام 2005 ,بتحديد هوية الاقتصاد السوري: أنها ” اقتصاد السوق الاجتماعي”, إلا أن الحزب لم يستكمل مشروعه لاحقاً, في تحديد المبادئ والأهداف والسياسات الاقتصادية, التي تحكم عمل هذا النموذج الاقتصادي. بذلك, وبدلاً من المضي برسم مستقبل هذا الخيار التنموي, ترك الأمر لاجتهادات الحكومات المتعاقبة, في الابتعاد كثيراً أو قليلاً عن “المنظومة” أو السياسات العامة ,التي ينبغي أن تحكمها معايير الأداء للتقييم والمراجعة والمحاسبة. كان من المفترض أن يستكمل الحزب انجاز ذلك “العقد الاجتماعي” بين الفاعليين الاقتصاديين, والمجتمع الأهلي, والدولة, وتبنّي “توافق السوق” الذي يمنع انحرافه إلى الفوضى والاحتكار, ليحتكم إلى المنافسة وضرورات نضج الأسواق. وعند غياب تلك السياسات العامة, التي تشكل الأطر المرجعية والإستراتيجية لاشتغال السياسات الاقتصادية والاجتماعية, راح التيار الليبرالي المناصر لاقتصاد السوق الحر يمعن في التشفّي  من  سياسة الحزب والدولة التي تحمي الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، وفقاً لتبني الحزب سابقاً لأهم عناصر الاشتراكية والعدالة الاجتماعية, لحماية الاقتصاد والمجتمع من تداعيات الليبرالية الحديثة. هنا يمكن للحزب أن يعيد تأكيد خياره في أن حماية الدولة والمجتمع, وتحديداً ما بعد الحرب, لا يستقيم بغير الدولة القوية وانحيازها لمشروع استنهاض بنى المجتمع لحماية الهوية والانتماء من تداعيات “الحرب الهجينة” وما بعد الحداثة, التي تحاول” استبدال مرحلة سيادة العقل على كل شيء, بمرحلة تفكيك المفاهيم الصلبة والتحرر من كل الحقائق والمفاهيم والمقدسات بتعبير ” الحداثة السائلة”, على حدّ وصف الفيلسوف وعالم الاجتماع “سيغموند باومان ” .

وبالقياس على ذلك, هل يمكن للحزب أن يمارس دوراً  بغير هوية تقوم على مبادئ وأهداف وطنية؟ حين يظل الحزب متمسكاً ومنحازاً لحامله الاجتماعي وبنيته التاريخية, فهو لا يستطيع انجاز دوره التاريخي في تحقيق العدالة الاجتماعية, دون أن يكون للاقتصاد هوية أو نموذجاً يحدد آليات وسياسات عمله, فالاقتصاد بدون هوية, هو مشروع فوضى وأزمات أكثر من يدفع تبعات ذلك الفقراء وأصحاب الدخل المحدود والطبقة الوسطى, وذلك ما يدخل المجتمع في حالة من انعدام التوازن.

يستنتج من كل ذلك أن الحزب يستطيع , وينبغي له, أن يكون حاضراً في كل مراحل التطور الوطني السياسي، والاقتصادي والاجتماعي, وأن يعزز ذلك الحضور بكفاءة وفاعلية للاستجابة لكل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, المحلية, كما الإقليمية والدولية .

  د. عدنان سليمان