ما النموذج الاقتصادي المناسب لسورية..؟
علي عبود
يُخطئ من يظنّ أن التساؤلات التي تدور، منذ سنوات قليلة، عن دور الدولة وواجباتها، هي تساؤلات جديدة أو مستجدّة، فقد بدأ الكثيرون بطرح تصورات عن إعادة النظر بدور الدولة وواجباتها منذ العام 2005، تاريخ تبني نهج اقتصاد السوق الاجتماعي!
وفي هذا السياق، ترى وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف “ضرورة إعادة هيكلة دور الدولة في ضوء التحديات الاقتصادية المفروضة على سورية، والتطور التكنولوجي الذي فرض على كل دول العالم إعادة هيكلة دورها”.
وهذا يعني أن علينا إعادة هيكلة دور الدولة وفقاً لمتغيرات التكنولوجيا، أو لاختيارنا للأنموذج الاقتصادي المناسب، حسب وجهة نظر الحكومة، بغضّ النظر عن النتائج السلبية التي يمكن أن تنعكس على الاقتصاد الوطني مثلما حصل في السنوات الماضية!
والمسألة لم، ولن تكون يوماً في إعادة هيكلة دور الدولة، وإنما في تحديد الهدف الرئيسي لدور الدولة، فهذا الهدف كان في سبعينيات القرن الماضي إقامة قاعدة صناعية، وبنى أساسية من المرافق والخدمات، وكهربة الريف، وتعميم التعليم المجاني.. إلخ. وخلال السنوات 1985 – 2000، كان الهدف الاعتماد على الذات بإنتاج السلع الغذايئة الأساسية مع فائض للتصدير من خلال مشاريع ضخمة للري والسدود واستصلاح الأراضي في كل المحافظات السورية.. إلخ.
أما في سنوات 2005 – 2010، فكان الهدف الرئيسي لإعادة هيكلة الدولة التحول من الاقتصاد الإنتاجي إلى الاقتصاد الريعي من خلال تبني نهج اقتصاد السوق، وبدأ بتحرير الأسعار تدريجياً، وخاصة أسعار الطاقة، وتقليص الدعم تحت عنوان “إيصال الدعم لمستحقيه”!
وها نحن نسمع ونتابع، على امتداد السنوات الأخيرة، دعوات جديدة لإعادة هيكلة دور الدولة، والإشكالية هذه المرة مختلفة تماماً، فهناك غموض متعمّد عن تغييب الهدف الرئيسي من دور الدولة المستقبلي، وما يُطرح من أفكار لا تكشف ماهية هذا الدور، والسؤال: لماذا؟
من الضروري أن نتعرف على الهدف الرئيسي الذي ستحققه الحكومات المتعاقبة، خلال العقد القادم على الأقل: الاعتماد على الذات؟ أم نهج اقتصاد السوق؟ أم نهج “دعه يعمل دعه يمر”، كما تطالب غرف الصناعة والتجارة بصوت عالٍ مقرونة بضغوطات على الحكومة؟
ما طرحته وزيرة التنمية الإدارية مختلف تماماً، فقد رأت “أن دور الدولة يجب أن يتحدّد فقط في الجوانب الأساسية: الدفاع والصحة والتعليم”، أيّ على الدولة ألا تتدخل مطلقاً في الاقتصاد، مع ما يعنيه ذلك من تخل عن القطاع العام.
وقد لا يتذكر الكثيرون أن الطروحات مع بداية القرن الحالي بدأت بسؤال: أيّ النماذج الاقتصادية الأفضل لسورية للمرحلة القادمة في إطار الإصلاح والتطوير: النموذج الصيني أم الماليزي؟
ونكرّر السؤال اليوم: ما الأنموذج الاقتصادي الذي تراه الحكومة، أو المنظّرون، مثالياً أو مناسباً على الأقل لسورية؟
لا يكفي أن نطالب أو نتيح للقطاع الخاص المشاركة بنسبة 90% أو أكثر في الناتج المحلي، أو بطرح المنشآت العامة للاستثمار، أي تحريرها من قبضة الحكومة، ولا بتحرير السلع والمواد وحوامل الطاقة، ولا بإلغاء الدعم أو إيصاله لمستحقيه فقط، ولا باقتصار دور الدولة على تنظيم الاقتصاد، لا على المشاركة بالإنتاج.. إلخ، المهمّ الإجابة عن السؤال: ما الأنموذج الاقتصادي المناسب لسورية في القادم من السنوات، والذي سيحقق لها الاكتفاء الذاتي من السلع الرئيسية وفائض للتصدير واحتياطي من القطع الأجنبي وسعر صرف لليرة يزيد القدرة الشرائية للعاملين بأجر.. إلخ؟
المهمّ في إعادة هيكلة دور الدولة تحقيق الأهداف الرئيسية، بغضّ النظر عن الجهات التي تدير الاقتصاد الوطني، سواء كانت حكومية أو خاصة أم مشتركة؟
والسؤال بطبيعة الحال: ما الأنموذج العالمي الذي يناسب سورية الآن؟
أم أننا سنبتكر أسلوباً خاصاً بالحالة السورية كما فعلناها بعد منتصف ثمانينيات القرن الماضي، والتي أسفرت عن سورية كما عرفناها حتى عام 2005، تاريخ البدء بتطبيق نهج اقتصاد السوق الاجتماعي.. “المتوحش”؟!