صوابية الخيار الوطني
تقرير إخباري
“حقائق كثيرة لا بدّ من تكرار تسليط الضوء عليها رغم وضوحها لأننا وللأسف نعيش في عالم يسيطر أقل من ربع سكانه على أكثر من ثلاثة أرباع إعلامه وآرائه، وتحالفات لدول الغرب أجلست العالم بفعل توحشها على صفيح ساخن مشتعل من التوترات والصراعات”. إلى هذه الحقائق، أشار السيد الرئيس بشار الأسد في مقابلته الإعلامية يوم أمس، والتي كان على رأسها هبوط قيمة الدولار، وما سبقها من أخطاءٍ فادحة بدأت بفرض حصارات أحادية على مدار عقود على كوبا وسورية ومن ثم إيران وكوريا الديمقراطية الشعبية، وصولاً إلى روسيا والصين، وبشكل عزّز قناعة الشعوب الغربية بأنها كانت تعيش في وهم “المركزية الغربية” بعد أن صدّقوا بأنهم يمثلون سبباً من أسباب وعناصر الحياة على سطح هذا الكوكب، حيث لفت الرئيس الأسد إلى أنهم الآن أمام حقيقة أن الغرب هو المحاصر؛ بعد أن أصبحت كل تلك الدول تتعامل وتتبادل فيما بينها.
وفي سياق السجالات بين سياسات الشرق والغرب ومنطق القوة ومنطق الوطنية، جدّد الرئيس الأسد تمسكه بخيارات الوطنية التي تحقق مصالح الدولة السورية على المدى البعيد، رافضاً رغم حجم الألم والضغط الذي عانته وتعانيه البلاد، أي دعم خارجي مؤقت ومشروط، لافتاً إلى الكثير من الأمثلة التي استخدم فيها الغرب عدداً من زعماء المنطقة والعالم، وفي النهاية ألقى بهم في سلة المهملات بعد انتهاء المهمة الموكلة إليهم وانتهت خياراتهم بالفشل لأنها لم تكن وطنية. كما ذهب سيادته إلى أبعد من ذلك مستشهداً بالوضع في روسيا، إذ أنه وحتى لو لم يوافق الشعب الروسي بأكمله على سياسات الرئيس بوتين، لكنهم بالضرورة يحترمون في أغلبيتهم كل خياراته، لأنها وطنية ونابعة من تحقيق مصالح الدولة الروسية وسيادتها على المدى البعيد.
وعلى صعيد القضية المركزية، جدّد الرئيس الأسد في حديثة التأكيد على دعم الحق الفلسطيني، رافضاً أي صيغ أو نقاشات أو مقارنات تنطلق مما حدث يوم “السابع من أكتوبر”، فالأمر يجب فهمه في سياقه الصحيح، أي الرجوع إلى واقعة الاحتلال وما تلاها من مجازر إسرائيلية ممتدة عبر ما يقارب الثمانية عقود بحق الشعب العربي، وكل كلام آخر لا يمكن الاستناد عليه. أما عن سبب تقصير الموقف العربي تجاه غزة، فلم ينفِ سيادته هذا التقصير سواءً كان عربياً أم إسلامياً أم حتى عالمياً، فالضغوط الغربية كبيرة وكل ثقلها يتجه نحو إنصاف “إسرائيل” وتجيير قرارات الشرعية الدولية لمصالحها لا لمصالح أصحاب الحق، ناهيك عن الوضع العربي الصعب الذي لا يمكن وصفه بأنه أفضل حالاً.
وفي موضوع الديمقراطية، أكد السيد الرئيس أن الغرب أسرف في التغني بالديمقراطية وعدّ نفسه مصدراً أو ربما مسؤولاً عنها على مستوى العالم، لكن الصراعات الأخيرة كشفت زيف ادعاءاته، موضحاً أن ديمقراطية الغرب تنحصر في صناديق الاقتراع، والتي هي أساساً محصورة بخيارات قليلة تمت أدلجتها عبر وسائل إعلام موجهة أو تابعة للمرشحين ذاتهم. أما على صعيد الشارع الغربي فقد أثبت وما زال يثبت أن ساسة الغرب لا يصغون له، بل هم ماضون رغماً عن الرأي العام لشعوبهم في تنفيذ مشاريعهم الرأسمالية الاستعمارية، في دول باتت تحكمها الشركات وتسخّر نفسها لخدمة مصالحها، بدليل سحق الطبقات الوسطى وازدهار الأوليغارشية.
بشار محي الدين المحمد