“لقاء” عروة العربي بالـ”المسرح الثنائي”.. الممثل أكبر من كلّ الدّيكورات
نجوى صليبه
إضاءة عمودية على سيدتين تنظران إلى البعيد، وتنتظران شيئاً ما، كلّ من مكانها، الأولى داخل منزلها “آية محمود ـ يارا” والثّانية “ربا الحلبي ـ سلمى” خارجه.. تتردّد “سلمى” في دقّ باب منزل “يارا” قليلاً، لكنّها سرعان ما تفعل بوتيرة تشابه دقّات قلبها الخائفة والواثقة والمرتجفة والقوية.. تفتح “يارا” الباب وتسأل الطّارقة عن هويتها، فتجيبها الأخيرة: “سلمى”، فتتظاهر بأنّها لا تعرف أحداً بهذا الاسم، لكن “سلمى” لا تستسلم وتخبرها أنّها الزّوجة الثّانية لزوجها “فارس مراد”، وهنا تدخلان في مواجهة أخرى، إذ تستحضر كلّ منهما ذكرياتها الجميلة والبشعة مع زوج لم يعد له وجود في حياتهما، أو بالأحرى تخلّى عنهما إلى غير رجعة، بعد أن استغلّهما لتحقيق رغباته وأهدافه الدّنيئة.
تدخل الشّخصيتان في حواريات يرتفع فيها مستوى الكره وينخفض تجاه بعضهما، ثمّ تجاه الزّوج الغائب الحاضر بأحاديثه ومواقفه ورومانسيته وجبروته، ثمّ تعترفان بأنّهما كانتا ضحيتي حبّ كاذب، وتحاول كلّ واحدة مواساة الأخرى وتشجيعها على استعادة رونقها وأنوثتها وروحها التي قُتلت مراراً والانطلاق وبدء حياة جديدة.
“لقاء” هو عنوان العرض المسرحي الذي قدّمته فرقة تكوين السّورية ـ أمام جمهور “مهرجان دبا الحصن للمسرح الثّنائي”ـ، وأخرجه عروة العربي عن نصّ للكاتب “آلان كناب”، وهو نصّ سبق للعربي أن قدّمه في عام 2007 تحت عنوان “الليغرو” بطريقة مختلفة أي لم يعتمد حينها على الثّنائية، بل كان الزّوج حاضراً “جلال شموط” باسم “مراد” أمّا الممثّلتان فكانتا رغداء شعراني وزينة حلاق.
اعتمد العربي في “لقاء” كما فعل في الماضي على ديكور بسيط بالكاد يذكر، وهو كرسيان فقط، يسهل على الممثلتين نقلهما من مكان إلى آخر بما يتوافق والحوار والحالة الانفعالية لكلّ منهما، بالإضافة إلى استثمار الملابس التي كانت ترتديها الممثلتان اللتان كانتا مع كلّ تحوّل أو صدمة أو حدث تخلعان جزءاً من ملابسهما، وكأنّهما تخرجان من عباءة تلك الذّكورة المريضة، الأمر الذي أصاب الجمهور بالذّهول والتّساؤل كيف لهما أن تتحركا بليونة وبساطة مع طبقات الملابس هذه كلّها، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى مصمّمة الأزياء ريم الماغوط التي كانت حاضرةً على الرّغم من عدم مرافقتها للفرقة.
تحوّلات ومواجهات وصدمات رافقها تحوّلات في ضربات التّشيلو الذي اعتمدته مصمّمة الصّوت حنان سارا، حتّى في الـ”صولو” المرافق للمونولج الذي كانت تقوله كلّ شخصية، كذلك الأمر بالنّسبة للمؤثّرات الصّوتية التي شكّلت هي الأخرى ثنائية جميلة مع الحالات الانفعالية، لتختتم جرعتها الثّقيلة بأغنية ضاهر يوسف “صل صلاتك” بالتّزامن مع مشهد السيدتين المتحضرتين روحاً للتّطهّر وبدء حياة جديدة يضيء عليها بسام حميدي بما يناسب الحالة الصّوفية والسّلام والطّمأنينة النّفسية.
العرض وعلى خلاف بقية العروض المشاركة، لم يحفل ببهرجة المكان، بل اعتمد على الممثّل المتمكّن من أدواته والتي بها يستغني عن أي ديكور، وهذا ما أوضحه وصرّح به المخرج عروة العربي خلال النّدوة التّطبيقية التي تلت العرض، إذ قال إنّ المسرح هو الإنسان، وأنّ ما يعنيه بالدّرجة الأولى الممثّل، مضيفاً: “الممثّل أكبر من كلّ الدّيكورات، عندما يكون حاضراً بصوته وأدائه، وهذه وجهة نظري، أتمنى أن أكون أصبت بعض المتعة.. أحاول احترام المتفرّج لكي يحترمني”.
وبالفعل هذا ما كان، عرض محترم لجمهور يحترم العمل ويقول كلمته بمهنية مطلقة بعيداً عن أي حسابات أخرى، أقول هذا لأنّ المسرحيين والإعلاميين المشاركين من الدول العربية الأخرى أبدوا إعجابهم بالعمل نصّاً وتمثيلاً وإضاءةً وإخراجاً، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ العرض كان باللغة العربية الفصحى، ما سهّل الطّريق أمام العرض ليصل إلى الجميع بسلاسة وسهولة.