والكيّس لا يتشدّق!!
نجوى صليبه
في معجم المعاني الجامع يرد شُدوق وهو جمع شَدق، وشَدِق الفعل، يَشدَق، شَدَقاً، فهو أَشْدَقُ، وهي شدْقاء، والجمع شُدْقٌ، شدِق فلان اتسع جانب فمّه ممّا تحت الخدّ، اتّسع شدْقُه، والشِّدْقُ جانب الفم مما تحت الخدّ، وكانت العرب تمتدح رحابة الشدقين، لدلاتها على جهارة الصوت، ويرد أيضاً نزل بشِدْقِ الوادي، أي بجانبه، وتشدّقَ أي حرّك شِدقيه للمضغ، ويَتَشَدَّقُ بالكلام أي يتكلَّم من دون احترازٍ، ويَتَشَدَّقُ من وراء ظهره أي يستهزئُ به، ويلوي شدْقَهُ سخريةً، وتشدّقَ: لوى شِدْقه بكلام يتفصَّحُ، ومُتَشَدِّقٌ في كلامه: الفاتح فاه والمتبجِّح في القول، ويقال “كَفَاكَ تَشَدُّقاً” أي استهزاءً وغروراً وسخريةً.
أمّا سبب “النّبش” في معجم اللغة، فهو زميلي الذي طلب منّي كسرة خبز بعد قضاء ساعات من الجهد الفكري، حينها قلت له: “ذكّرتنا بأيّام الجاهلية يا أستاذ”، ليجيب ضاحكاً: “شدّوق”.. ويقصد أيضاً قطعة من الخبز.. كلمة أعادت إلى ذاكرتي الكلمة التي استخدمها كبار السّنّ في الأرياف، والتي كثيراً ما كانت ترسم ابتسامة على وجوههنا تتسع إلى ضحك وقهقهات على كلمات دارجة في أحاديثنا اليومية، غريبة اللفظ، لكنّها جميلة المعنى، نذكر مثلاً كلمة “كيّس”، التي ترد فعلاً كَيَّسَ، يكيِّس، تكْييساً، فهو مُكَيِّس، والمفعول مُكيَّس، وكَيَّسَه يعني أَدَّبه وجعله فطناً، مهذَّباً ينظر إلى الأشياء في تأنٍّ وتُؤَدَةٍ، وكَيِّس اسم جمعه أكياس وكَيَسَة وكَيْسَى، ومؤثنه كَيِّسة، وهي صفة مشبَّهة تدلّ على الثّبوت من كاسَ، ورجلٌ كَيِّسٌ أي ظريف وفطنٌ وحسن الفهم والسُّلوك.
وعليه فإنّ الكيّس لا يتشدّق، بل يعرف كثيراً لكي يقول قليلاً كما قال الشّاعر اللبناني الرّاحل جوزيف حرب (1944 – 2014):
ما عابَ غصناً أن يكون نحيلا وسراج ليلٍ أن يكونَ ضئيلا
ما الغيم إلّا قول بحرٍ واسعٍ فاعرف كثيراً كي تقول قليلا
لا حدود أمام اللهجات
وليس بعيداً عن الفكرة السّابقة بل قريباً منها، نتحدّث هنا عن دور الدّراما ـ الذي لا يمكن نكرانه ـ في تعريفنا بلهجات بعض البلاد العربية، كمصر والأردن ولبنان والعراق وبعض دول الخليج في زمن مضى، وهي هنا معرفة ذات طابع تبادلي، لكن في دول أخرى، تأخذ طابع الآخذ فقط، أي المغرب العربي يشاهد الدّراما السّورية ويفهم لهجتنا ولا يجد صعوبة في معرفة مصطلحاتها، لكن للأسف لم يصلنا من الدّراما المغربية ما يعوّدنا على هذه اللجهة الصّعبة نوعاً ما علينا كسوريين لكوننا نادراً ما نسمعها، لكن مجرّد مقابلتنا لشخص من المغرب العربي وبعد مضي ساعة أو ساعتين نعتاد على اللهجة، وتصبح سهلة نوعاً ما.
أتذكر الآن مسلسل “ضيعة ضايعة”، وكيف استندت أسرة العمل على كتابة الألفاظ المحلية الخاصّة ببيئة العمل مع شرح مفرداتها في أسفل الشّاشة، وكما يقال “ضربوا عصفورين بحجر واحد” أي الفكاهة والمعلومة، وهذا أسلوب صارت تعتمده بعض المنصّات على وسائل التّواصل الاجتماعي، طبعاً هي طريقة ولا نقول بتبنيها، لكن ربّما يقتصر الاعتماد عليها في الأعمال الأولى التي سنعرضها، ومن بعدها تصبح اللهجة مألوفة كغيرها، طبعاً والحديث ينطبق على السّنما المغربية التي لها مكانتها وحضورها في المهرجانات العربية والعالمية، وهي غالباً ما تحصد جوائز مهمّة.
أمّا مناسبة الحديث عن هذه اللهجة فهي شباب مغربي ما يزال ـ حتّى اليوم ـ يتذكّر الفنانة سامية الجزائري في مسلسل “جميل وهناء” عندما كانت تتحدّث عن ابنها الذي يعمل في مدينة خورفكان الإماراتية ومنطقة دبا التي تليها بالمكان وتبعد عنها ساعة تقريباً.