دراساتصحيفة البعث

الحرب تهديدٌ وجوديّ

عناية ناصر

طالما كانت الحرب مصدر ضيق وقلق هائلاً بالنسبة للبشرية. والأهم من ذلك هو الإشارة إلى أن قدرتها على التسبّب في المعاناة والدمار آخذة في التزايد بطرق خطيرة للغاية. وفي هذا الخصوص قدّم التقرير العالمي عن العنف والصحة، الذي نشرته منظمة الصحة العالمية، المعلومات التالية عن الوفيات الناجمة عن الحروب والصراعات خلال القرون الخمسة الماضية، ففي القرن السادس عشر – 1.6 مليون حالة، وفي القرن السابع عشر – 6.1 ملايين، وفي القرن الثامن عشر –7 ملايين، وفي القرن التاسع عشر – 19.4 مليوناً، وفي القرن العشرين – 109.7 ملايين.

وبطبيعة الحال، كان عدد السكان يتزايد أيضاً، لكن الزيادة التي بلغت ستة أضعاف تقريباً من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين مثيرة للقلق بشكل كبير. ويشير هذا الرقم إلى أن أكثر من مليون شخص قد هلكوا سنوياً في المتوسط خلال القرن العشرين في الحروب والصراعات. علاوة على ذلك، ربما لا يشمل هذا الرقم جميع الوفيات الناجمة عن العديد من الآثار غير المباشرة للحروب والصراعات.

وكما أوضحت تقديرات جامعة براون بشأن “الحرب على الإرهاب” في القرن الحادي والعشرين، إذا أُدرجت الآثار غير المباشرة للحرب، فإن الوفيات يمكن أن تكون أكبر بعدة مرات من الوفيات الناجمة مباشرة عن الحرب والصراع. وقد ذكرت هذه التقديرات أن “الحرب على الإرهاب” أودت بحياة حوالي 0.9 مليون شخص بشكل مباشر، ولكن إذا تم تضمين الوفيات الناجمة بشكل غير مباشر فإن هذا الرقم يرتفع بشكل خطير إلى 4.5 ملايين. وبعبارة أخرى، الوفيات الناجمة بشكل غير مباشر تبلغ حوالي أربعة أضعاف الوفيات الناجمة بشكل مباشر، ولا يشمل هذا الرقم جميع البلدان التي دمّرتها الحرب على الإرهاب، ويحتاج إلى تحديث أيضاً. وهذا تذكير بأن عدد القتلى الهائل في القرن العشرين سيستمر في القرن الحادي والعشرين، بشكل أو بآخر، إذا جمعنا عدد الوفيات في عشرات الحروب والصراعات التي شهدها العالم خلال السنوات الثلاث والعشرين الأولى من القرن الحادي والعشرين.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الحديث عن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة وحرب نووية قد تردّد خلال العامين الماضيين أكثر مما كان عليه في العقود العديدة التي سبقت ذلك، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى احتمال نشوب صراع مباشر بين الولايات المتحدة – حلف الناتو وروسيا، انطلاقاً من الحرب بالوكالة المستمرة في أوكرانيا، كما تمّت مناقشة حرب أوسع نطاقاً مع حلف الناتو وعدد قليل من الحلفاء الآسيويين، وربما أستراليا من جانب و”محور” روسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية على الجانب الآخر، باعتباره احتمالاً أبعد، ومع ذلك، لا يمكن استبعاده تماماً، على الرغم من أنه سيكون بمنزلة كارثة كاملة.

عندما سُئل أينشتاين عن شكل الحرب العالمية الثالثة، أجاب بأنه لا يعرف كيف ستُخاض الحرب الثالثة، لكن الحرب الرابعة ستكون بالحجارة. وكان يشير بالطبع إلى حقيقة أن الحروب أصبحت مدمّرة للغاية لدرجة أن الحرب العالمية الثالثة ستدمّر العالم بالكامل تقريباً.

لقد أصبحت الحروب أكثر تدميراً منذ أن قال أينشتاين هذه الكلمات، ويبدو أنها متجهة نحو المزيد من التدمير، حيث يتم تحويل المزيد والمزيد من الموارد والإبداع البشري لزيادة القدرات التدميرية بدلاً من القدرات البنّاءة، على الرغم من أن الملايين والملايين ما زالوا محرومين من الاحتياجات الأساسية وربما متطلبات الإصلاح وإعادة التأهيل البيئي هي الأكثر إلحاحاً.

شهد القرن العشرون زيادة في معدل الوفيات المرتبطة بالحروب والصراعات بمقدار ستة أضعاف مقارنة بالقرن التاسع عشر، إلا أن القرن الحادي والعشرين قد يشهد شيئاً فريداً وغير مسبوق في تاريخ الحروب والصراعات المدمّرة بالفعل، فقد يشهد حروباً قادرة على محو معظم أشكال الحياة على الأرض  تقريباً، بالإضافة إلى  تعطيل وتوقيف الظروف الأساسية التي تمكّن من الحياة على هذا الكوكب.

وستكون هذه هي النتيجة الحتمية إذا تم استخدام 10 في المائة فقط من المخزون الحالي من الأسلحة النووية. ومع ذلك، يجري تطوير المزيد من أسلحة الدمار الشامل المدمّرة، وبسبب السعي الدؤوب للهيمنة التي تبدو عمياء عن جميع مخاطرها الجسيمة، يُنظر إلى القوى العسكرية والاقتصادية الكبرى في كثير من الأحيان على أنها على وشك المواجهة المباشرة والحرب.