ثقافةصحيفة البعث

غفران كوسا: الرواية تحتوي أفكاري وتتحمل شخصياتي

طرطوس- هويدا محمد مصطفى

استطاعت الروائية غفران كوسا القبض على اللحظة الهاربة، وتحويلها إلى فطرة جديدة ونداءات توقظ كل ما حولها، لتضيء حروفها جوانب خفية من خلال تجربتها الإبداعية المعاصرة عبر إيقاعات الزمن وغيمة الخيال السردي وسعة الغوص في الأحداث ومجريات الزمان والمكان، ومن خلال أعمالها الأدبية جسّدت الواقع بصورة فنية مبتكرة ولغة سردية مدهشة.

صدر لها في الرواية “قبور الأحياء” و”عندما أعيد خلقنا” و”ظلال الشمس”، ومجموعة قصص قصيرة جداً “عيون تنتظر الفجر”، وللحديث أكثر حول تجربة الكاتبة غفران سليمان الأدبية كان لنا معها هذا الحوار.

بداية من هي غفران كوسا؟ وماذا تحدثينا عن مرحلة الطفولة؟ وهل بدأت الكتابة بعمر الطفولة؟.

سؤال صعب ومحرج أن نستحضر الأنا لنتكلم عنها، أطلقوا عليّ اسماً أحببته: “غفران  سليمان كوسا ابنة سورية”، نبض قلبي أول مرة في حماة، ورفرفت روحي في دمشق ودرست فيها بالمعهد المتوسط الهندسي، وأنجبت بناتي التوءم حلا ومريم وآية في طرطوس، ونفسي المشغولة بالسلام تحاول التنقل من خلال قصصي ونثري بين المحافظات السورية لتنشر المحبة والودّ في كل بيت، هوايتي الأهم والتي جعلت مني كاتبة وروائية، وما أنا عليه وما سأكونه أني أجتهد ومنذ الطفولة الأولى وأرى أشياء لم تكن على السطح، أشياء تستحيل رؤيتها إلا بشحذ الفكر والقراءة والبحث، وهذه الهواية دفعتني إلى البحث عن كتاب جديد لأقرأه، وعن نهر جارٍ لأسمع صوت مياهه.. شجعتني أسرتي والريف بفضائه الرحب على  شغفي بالقراءة من خلال المكتبة التي كانت حاضرة في بيتنا، وإخوتي الذين سقوا بذرة موهبتي التي ما تزال تنمو بفضلهم، فقرؤوا خربشاتي الطفولية باهتمام، ولقبوني بـ”الكاتبة” وكبرت وكبر شغفي بالحصول بجدارة على هذا اللقب.. هناك عوائق لكن أتابع طريقي.

“قبور الأحياء” و”عندما أعيد خلقنا” عناوين لإصداراتك، فما دور العنوان في جذب القارئ؟ وما أهم الثيمات التي تناولتها في أعمالك؟.

الثيمات أو بما معناه الأفكار الكبرى التي أردت طرحها، في الروايتين تكاد تكون واحدة، والمغزى الذي لم يصل معي في “عندما أعيد خلقنا” عبرت عنه في “قبور الأحياء”، وتعمّدت التقاطع بين العنوانين، من يقرأ الأولى يجد أن الفكرة تكمن بتمجيد حضارة سورية ماضياً وحاضراً، وأكدت أنه غافل من يفكر بإعادة خلقنا بغير صفات توارثناها، من وحدة وطنية، وعلوم وثقافة، والعلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على المحبة والإخلاص، وتعدّد الزوجات في ظل الحرب كان له وجه مختلف، أما في “قبور الأحياء” فتعرية وجه الحرب المقيت، وجني محاصيل الحب، والموروث الثقافي مهمّ جداً في بناء العلاقات، وانتصار الخير مهما أخفق، ومن دون شك العنونة هي عتبة النص، وكلما كان جاذباً وحاملاً لثيمات العمل الأدبي كلما حقق نجاحاً.

ما هي الدوافع التي جعلتك تكتبين الرواية؟ وماذا عن القصة القصيرة؟.

تستطيع الرواية احتواء جميع الأفكار، وتقبل مواقف عديدة، وتحتمل شخصيات عديدة، وأثناء الحرب عندما كتبت روايتي الأولى ضجّ فكري بهذه العوامل والتي لا تقدر القصة على حملها، حملت قلمي وعددته سلاحي الذي أشارك فيه بردّ العدوان عن بلدي وقيمه، وعلاقات أبنائه بعضهم ببعض، جاع قلمي وتألم بحثاً عن ألبوم صور، وعن لمّ شمل مع المهجرين، ونزف دماً ودموعاً كلما زفّ الوطن شهيداً، هذا ما دفعني للرواية، كما أني كتبت العديد من القصص القصيرة، وبمواضيع مختلفة اجتماعية وسياسية وإنسانية وللأطفال، لكن القصة القصيرة جداً أسرتني، فكتبت ثلاث مجموعات، تضمّ كل مجموعة ثمانين قصة، وكان كتابي الإلكتروني “عيون تنتظر الفجر” من بواكير المجموعات القصصية القصيرة جداً على مستوى الوطن العربي.

ما رأيك بالنشر الإلكتروني؟ وهل هناك مستقبل له؟.

النشر الإلكتروني يسرّع الانتشار، ويوفّر الوقت والجهد والدعاية للوصول إلى القرّاء، فالقصة المقروءة والجيدة تحمل اسم صاحبها خلال ساعة واحدة إلى أقاصي الأرض، لكن للأسف استُغِل النشر الإلكتروني بشكل مبالغ فيه، حيث ضاعت الفكرة الجيدة المنشورة في كومة التبن المتعفن العديم الفائدة.

هل تكتبين الرّواية ولديك هاجس الفوز بإحدى الجوائز؟.

من دون شكّ، أطمح إلى كتابة رواية بموضوع جديد، فيكون القارئ منتظراً قراءتها، ولغتها لغته، وثيماتها تعالج ما وراء تفكيره، أعري فيها قضايا الواقع، وهموم الذات، أوقظ فيها الأذهان، وأطرق فيها على أبواب الفرح، ويسعدني أن تكون روايتي حمامة سلام، أفردها على أوجاع شرقنا المتجدّدة فينبثق من صفحاتها الفرح المنشود، وأحصل من خلالها على جائزة الخلود.

هل تناولت أعمالك النقد وما رأيك بالنقاد هذه الأيام؟.

أنا على قناعة تامة بأن النقد بأهمية العمل، وما يقال عن العمل الأدبي سلباً أو إيجاباً يعادل بالأهمية العمل الأدبي نفسه، باعتباري لم أنشر رواياتي على نطاق واسع فقلة من قرأها في سورية، لكن الناقد والأديب عضو اتحاد الكتّاب العرب في العراق غانم عمران المعموري طبع كتاباً عن رؤاه النقدية بروايات عربية عدة، وكانت روايتي “عندما أعيد خلقنا” من بينها، وأظهر إعجابه بالأفكار والأسلوب واللغة والحبكة، لكنه انتقد الإطالة حيناً والغموض في بعض الجوانب، وانتقد أيضاً تعدّد الأبطال، وهذا النقد جعلني في رواية “قبور الأحياء” أتفادى الوقوع بمثل تلك الأخطاء، كذلك القراءة النقدية من قبل الصحفية الفلسطينية والكاتبة مريم حوامدة جعل الرواية مطلوبة في معرضي عمان والقاهرة، كما كان لتقييم وقراءة بعض الأدباء المعروفين للروايتين أثره الإيجابي والدفع بي لكتابة رواية “ظلال الشمس”.

والحقيقة المرّة هي أن النقد البنّاء للأسف غير موجود على نطاق واسع، عندما يكون الناقد صديقاً يرفع ما يكتبه صديقه إلى السماء، وعندما يكون خصماً أو غير مقتنع بالاسم أو الموضوع أو حتى الغلاف يجعل وجه العمل الأدبي الموضوع بين يديه بسواد الحرب، وهذه الأيام ما أكثر المحبين، وما أندر من يجيد النقد القادر على صناعة التغيير، لهذا امتلأت رفوف المكتبات بما لا يقرأ.

هل تعدّ الترجمة دليلاً على شهرة العمل الروائي، وهل هناك مشروع للترجمة؟.

أول عمل قام به الإنسان لحفظ موروثه الثقافي وعاداته هو الكتابة، وقام العلماء من كل أنحاء العالم بجمع هذه الكتابات من كل مكان وجدت فيه وترجمت إلى اللغات الانسانية كإرث حضاري، وهذا ينطبق على كلّ مترجم، فلم تخلد الفكرة فقط في موطنها بل حلقت منطلقة وبعد آلاف السنين خارج حدودها، والكثير من المخطوطات العربية والألواح البابلية معروضة في متاحف عالمية.

قامت دار “ديوان العرب” للنشر في مصر وهي الدار التي نشرت رواياتي على نفقتها بترجمة “عندما أعيد خلقنا” على نفقة الدار، لكن الحقيقة لم أحصل على نسخ ترجمتها، لكن سرني جداً خبر ترجمتها، فحلم أي كاتب أن يحظى بعدد لا يُحصى من القراء، وأن يقرأ روايتي جاري القريب كما يفعل أحدهم في أقصى المعمورة، حلم يراودني لروايتي الجديدة.

هل هناك تسويق للعمل الروائي؟ وهل هناك قارئ في ظل الظروف الراهنة؟.

قبل الحديث عن التسويق، لا بدّ من الحديث عن الطباعة فهي مكلفة جداً، لهذا كان عدد النسخ التي طبعتها محدوداً، نعم يوجد قرّاء شغوفون، ومؤخراً حكّمت ورشة قراءة لليافعين وذهلت بشغفهم بالقراءة، تحديداً الروايات، المانع لعدم نشر رواياتي أنها ليست الأهم، فشراء كتاب لابنتي ليعينها في دراستها خير من طباعة نسخة لقارئ لن يقوم بشرائها مهما بلغت رغبته بقراءتها وابنه حافي القدمين.

كيف تجدين الواقع الثقافي بشكل عام؟.

يئنّ، حاملاً صخور الواقع المعيشي والوطني والإقليمي على كاهله، وكلها أوضاع صعبة، ولم ألحظ تكاتف المثقفين لتغيير هذا الواقع، وإن لم يكن بمقدورهم فعل شيء كان يكفي تسجيل بعض المحاولات، لكن لا يمكن أن نغفل جهوداً شخصية تمثلت برفع لواء الكلمة، والأوساط الثقافية، مؤخراً، تزدحم بالنشاطات عساه خيراً.