مع تحييد المختصين.. التعليم الخاص يهدد العام.. و”التربية”: “الأمور تحت السيطرة”!
علي حسون
مع خروج المؤسّسات التعليمية الخاصة من تحت عباءة وزارة التربية، أصبح التعليم الخاص صاحب الكلمة الفصل من حيث الخدمات المقدمة للمستفيدين (طلبة وأولياء أمور)، يضرب عرض الحائط بكافة القرارات التربوية، ويدير ظهره للتعليمات والاجتماعات الوزارية، إذ أضحت أقساط المدارس الخاصة تفوق الخيال، وما يثير الاستغراب لدى لأهالي عدم قدرة وزارة التربية على ضبط التجاوزات!
غياب ومزاجية
ويتساءل الأهالي عن سر غياب دوائر التعليم الخاص في مديريات التربية، والمديرية الخاصة في الوزارة، عن متابعة واقع هذه المدارس، لجهة الأقساط التي وصلت إلى نحو 15 مليون ليرة سنوياً لبعض المدارس، إضافة إلى تحكم ومزاجية إدارات تلك المدارس أثناء التسجيل، وكذلك استقبال وتوزيع الطلاب بما يخدم الربح المادي والتسويق الدعائي للمدرسة، من دون الاستناد إلى أي قرار أو نظام تربوي، حيث تكتفي إدارات المدارس بترديد نغمة الخدمات والجودة، علماً أنها في أغلب الأحيان مفقودة ضمناً، وفق رأي متخصصين تربويين.
الاهتمام بالقشور
واعتبر مختصون أن المدارس الخاصة تهتمّ بالقشور، كالمسابح والملاعب والمسارح والفرق الفنية والترفيه والرحلات، ولا تبحث عن كيفية تطوير التعليم، فالطالب في المدارس الخاصة يتحدث عن الأنشطة اللاصفية بعيداً عن جوهر التعليم وربطه بسوق العمل والتخصّصات التي يحتاجها المجتمع، مشيرين إلى أن ظاهرة التعليم الخاص من دون ضوابط هي إشكالية في النظام التعليمي، حيث باتت كنوع من الموضة المجتمعية التي تتنافس فيها العائلات الثرية لإثبات الوجود من باب ما يُسمّى بالعامية “البروظة”، والتغني بأسماء مدارس خاصة لديها قوة بالإعلان والتسويق مما سبّب خللاً اجتماعياً تربوياً.
نسخ ولصق
الأشدّ غرابة محاولة وزارة التربية إيهام نفسها والمتابعين بأن الحبل السري ما زال موصولاً مع التعليم الخاص، وذلك من خلال تكرار الاجتماعات “نسخ ولصق”، ولو تغيّرت وجوه المعنيين، حيث نسمع ونقرأ دائماً تأكيدات على لسان وزراء التربية بخصوص أهمية الالتزام بالقوانين والأنظمة والتعليمات التنفيذية المتعلقة بالمرسوم ٥٥ الناظم لعمل المؤسسات التعليمية الخاصة، وضرورة اتباع التعليمات الوزارية المتعلقة بقبول نسبة محدّدة من أبناء الشهداء بشكل مجانيّ.
أين التصنيف؟
لكن واقع الحال يشير إلى أن هذه الاجتماعات، المدوّرة من عام إلى عام، لم تستطع لغاية الآن الوصول إلى تصنيف المدارس الخاصة وتحديد الرسوم وفق ذلك، بما يساهم في ضبط الأقساط الجنونية. ورغم الجهود المبذولة من “التربية” يرى أساتذة من كلية التربية أن تحييد أعضاء الهيئة التدريسية المتخصّصين في الكلية عن المشاركة في وضع الروائز والمعايير يعدّ فجوة كبيرة في آلية عمل التعليم الخاص.
ضبط المعايير
في هذا السياق، أوضحت رئيسة قسم أصول التربية والاختصاصية بالتخطيط التربوي، الدكتورة نسرين موشلي، أن ضبط معايير العمل في التعليم الخاص، من حيث المناهج وطرائق التدريس وتقنياته وأبنيته واختيار المدرسين بما يتناسب مع أعمار الطلبة، يحتاج إلى خطط بعيدة الأمد وواضحة، مشيرة إلى أن وزارة التربية أخطأت عندما أهملت التعاون مع المؤهلين والمختصين بالتخطيط التربوي في هذا الجانب.
وبيّنت الدكتورة موشلي أنه في ضوء التغيرات الاجتماعية الحاصلة، ولأزمة الاقتصادية ووباء كورونا والزلزال، بات التعليم العام في مواجهة حقيقية لإثبات نجاعته وسط التهديدات والمخاطر التي يفرضها التعليم الخاص الذي يتباهى بالامتيازات المقدمة والتي لا يقدر على تقديمها التعليم العام في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
استبعاد مقصود
وتساءلت الدكتورة موشلي: هل استبعاد المختصين كان أمراً مقصوداً من الوزارة، علماً أن مخرجات كلية التربية هي الكوادر العاملة في هذه المدارس؟
وبرأي موشلي فإن الأمر أصبح ملحاً لوضع قوانين ومعايير عمل بهدف تجويد العمل الخاص ويصبح تشاركياً مع المدارس الحكومية، معتبرة أن العلم ليس تجارة مادية، بل غاية وهدف لبناء الإنسان القادر على بناء المجتمع.
ليس بديلاً
ولم تخفِ الدكتورة موشلي خطورة الانتشار الواسع للمدارس الخاصة والمغريات المادية والامتيازات المعنوية المقدّمة لمعلمي المدارس الحكومية، مما ينذر بالخطر مستقبل التعليم الحكومي، مطالبة بأن يكون التعليم الخاص رديفاً للتعليم العام، وليس بديلاً عنه، فالعمل الجاد بين التعليم الحكومي والخاص هو النافذة الوحيدة التي تحقق أهداف وزارة التربية.
وأوضحت الدكتورة موشلي أن التعاون بين وزارة التربية وكلية التربية لا يعتبر تدخلاً بعمل الوزارة، وإنما هو تشاركية تفتح المجال لتقليل الهدر بالكوادر البشرية وبناء المعلم وفق الامتيازات المطلوبة في سوق العمل، مشددة على أن التعليم الخاص هو منفذ لترميم العمل في المدارس العامة وليس مفتاحاً للاستغناء عنه.
تساؤل واستغلال
بدورها، تساءلت الاختصاصية بالإعلام التربوي، الدكتورة مها إبراهيم، عن سبب طغيان التعليم الخاص على التعليم العام بشكل واضح وصريح، مؤكدة أن التعليم العام كانت له مكانته المرموقة التي تضاهي الخاص في تلك الفترة، لكن على ما يبدو استغل الظروف ليتحوّل التعليم إلى تجارة!
تخوف من الخصخصة!
ولفتت الدكتورة إبراهيم إلى أن الترخيص للمدارس الخاصة والتركيز عليها من حيث البناء والمعدات والكوادر المميزة، وحتى المناهج الإثرائية، كل هذه عوامل جذب لكل من الأهالي وأطفالهم وللمعلمين أيضاً وللمجتمع المحلي ككل، بالتزامن مع تراجع مستوى التعليم في المدارس الحكومية وخاصة في المناطق المكتظة بالسكان، لافتة إلى غياب الالتزام من قبل الكادر التعليمي والتلاميذ بآن معاً، مما يدفع الأهل من أجل البحث عن المستوى التعليمي الأفضل، فلن يجد مراده إلا في المدارس الخاصة التي ستستنزف معظم موارده المادية.
وحمّلت الدكتورة إبراهيم المعنيين في وزارة التربية مسؤولية ما وصل إليه التعليم في المدارس الحكومية كونها سلطت الضوء على المدارس الخاصة على حساب المدارس العامة! وتخوفت الدكتورة إبراهيم من الوصول يوماً ما إلى “خصخصة التعليم”.