حتى يظل “التأمين الصحي” يتنفس..!
قسيم دحدل
رغم الرفع الجديد للحدّ المالي الخاص بتغطيات عقد التأمين الصحي لموظفي الدولة من القطاع الإداري داخل المشافي وخارجها، إلا أن واقع التأمين الصحي، وتحديداً بالنسبة لما يُسمّى “العقود الإدارية”، لا يزال ينطبق عليه المثل القائل “الرمد أحسن من العمى”.
نعم، إن “العقود الإدارية”، بحالتها الحالية، أحسن من لا شيء، إذا ما قورنت بـ “العقود الاقتصادية” التي من عنوانها يُعرف مضمونها، ومدى شمولية تغطياتها، ومقدار التحمل فيها. وبالتالي، مدى انطباق مفهوم التأمين الصحي عليها.
ومع أن الفوارق كبيرة بين النوعين المذكورين لناحية جدوى الثانية ونجاعتها، ومع أن أهل التأمين وأصحاب القرار فيه، سواء هيئة الإشراف أو المؤسسة العامة للتأمين، على علم بتلك الفوارق، وبالتالي محاولتهم – خاصة الهيئة – تحويل العقود الإدارية إلى اقتصادية، إلا أن تلك المحاولات لم تفلح لغاية الآن، الأمر الذي سيبقي على عقود التأمين الصحي الإدارية في حالة انعدام الوزن المؤثر في التغطيات والبدلات الاستشفائية بسبب التضخم الكبير!
أما الغريب في قرار الرفع فهو أنه يأتي – حسب مصدِّريه – انسجاماً مع الزيادة الأخيرة على الرواتب والأجور، علماً أن أهل الاختصاص والقرار أنفسهم – حين الحديث عن عدم مقدرتهم على تحويل العقود الإدارية إلى اقتصادية – يرجعون السبب إلى ضعف الرواتب والأجور لدى موظفي الدولة! لذا يلجؤون – مشكورين – إلى رفع الحدّ المالي للتغطيات، وهذا – كما يُقال – “أفضل المستطاع في ظل الأوضاع المالية الصعبة” لـ “يبقى قطاع التأمين الصحي يتنفس”، على حدّ تعبير أحد مسؤولي القطاع حين محاورتنا له حول مستقبل التأمين الصحي!
ما سلف يعني أن خيار الإنعاش للتأمين الصحي، في عقوده الإدارية، سيظلّ الخيار المتكرّر لمنع وصوله إلى حالة الاحتضار، ما لم يتمّ ابتكار الحلول للانتقال به إلى حالة التعافي والحياة.
هنا.. من الممكن أن يتمّ دعم التأمين الصحي لعقود الإداري، من خلال تطبيق “العشر الصحي” الذي لا نعلم، حقيقة، إن كان لا يزال معتمداً، أم لا، لدى وزارة الصحة، ومفاد هذا الدعم يتمثل بأن تلزم وزارتا الصحة والمالية المستشفيات الخاصة، تحديداً، ومقدمي الخدمات عامة، باستقبال ومعالجة 10% من مرضى عقود الإداري سنوياً، ممن ينطبق عليها “حالات إسعافية وعمليات حارة”، على أقل تقدير.
وهذا، ربما، يخفّف من الخلل الكبير في التوزع الجغرافي لمقدمي الخدمات، ولاسيما مع عزوف أو تراجع نسبة كبيرة منهم عن التعاقد وفق صيغة العقود الإدارية، وتفضيلهم للعقود الاقتصادية، وهو أمر يلقى كل اهتمام وتقدير، لانعكاساته المؤثرة على زيادة تكاليف المؤمن له، نتيجة محدودية خياراته في الحيِّازات الجغرافية، حيث تشكل أجور التنقلات نسبة وازنة مقارنة بنسبة الأقساط!
ليس ختاماً.. يمكننا القول إن ما يسجّل لقطاع التأمين الصحي (العقود الإدارية)، أنه لا يزال فاعلاً – ولو لم يكن بالمستوى المأمول – رغم كلّ الصعاب والمعوقات، كما لا تزال تغطياته وحجم خدماته وبدلاته المالية، مثار تقدير، وهذا ما يشكل حافزاً لمزيد من تطويره والوصول به إلى مظلة تأمين صحي شاملة، نظراً لآثاره الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، فصحة الأوطان من صحة الأبدان العاملة فيها.
Qassim1965@gmail.com