المملكة المتحدة تصنّف الاحتجاج على أنه تطرّف
ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة
وصل جيمس إيستوود وهو محاضر أول في السياسة والعلاقات الدولية، مع زملائه النقابيين إلى مكتبهم بعد ظهر يوم الثلاثاء ليجدوا أن متسللين قد اقتحموا المكتب، إلا أن أيّاً من الأشياء الشخصية الثمينة أو المعدات الباهظة الثمن لم تتم سرقتها: كل ما فعلوه هو إزالة الملصقات المؤيّدة لفلسطين عن زجاج النافذة.
في الحقيقة، لم يشكّل الاقتحام صدمة كبيرة لإيستوود، الرئيس المشارك لفرع اتحاد الجامعات والكليات في جامعة كوين ماري في شرق لندن، فقبل ذلك بيوم، اتصل به رؤساء الجامعة وطلبوا منه الدخول إلى المكتب حتى يتمكّنوا من إزالة الملصقات، التي كان على إحداها العلم الفلسطيني، وأخرى كُتب عليها “من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرّر”، وافق إيستوود، وطلب فقط السماح له بالدفاع عن القضية قبل اتخاذ أي إجراء.
لم تكن الجامعة مستعدّة للانتظار وأغلقت أبوابها في اليوم التالي، لكن إيستوود ألقى اللوم على مكتب رئيس ومدير الجامعة كولن بيلي، الذي حصل العام الماضي على ما يقرب من 359 ألف جنيه إسترليني وحمّل الحكومة المسؤولية في عدم التضامن مع فلسطين.
أقرّت الجامعة بإزالتها الملصقات، مدّعية أن مثل هذه العروض الدائمة.. يمكن أن تخنق حرية التعبير وتجعل أعضاء المجتمع يشعرون بعدم الأمان.
في سياق متصل، قام وزير المجتمعات المحلية مايكل غوف مؤخراً، بتوسيع تعريف الحكومة للتطرّف ليشمل “الترويج لأيديولوجية تقوم على العنف أو الكراهية أو عدم التسامح دون تجريمها، ونص التعريف على ثلاثة أهداف تعدّ متطرّفة وهي “إنكار أو تدمير الحقوق والحريات الأساسية للآخرين، وتقويض أو قلب أو استبدال نظام المملكة المتحدة للديمقراطية البرلمانية الليبرالية والحقوق الديمقراطية، وخلق بيئة متساهلة للآخرين عن عمد”.
من المؤكد أن هذا التعريف – بمعزل عن أمور أخرى- قد يبدو معقولاً، لكن تدخل غوف كان تتويجاً للحملة التي قام بها السياسيون المحافظون واستمرّت أشهراً لتصوير المتظاهرين المؤيّدين لفلسطين على أنهم متطرّفون.
كذلك أبلغ سياسيو حزب العمال، بما في ذلك نائبة زعيم حزب العمال أنجيلا راينر ومستشارة الظل راشيل ريفز، عن شعورهم بعدم الأمان والترهيب من الأشخاص الذين يحتجون على الحصار المفروض على غزة، في حين أشار رئيس مجلس العموم ليندسي هويل إلى أن حياة أعضاء البرلمان قد تكون في خطر من الناخبين المؤيّدين للفلسطينيين للتصويت ضد وقف إطلاق النار.
قبل مسيرة يوم 11 تشرين الثاني، وصفت وزيرة الداخلية آنذاك سويلا برافرمان المظاهرات المؤيّدة لفلسطين بأنها “مسيرات كراهية”، وأشارت إلى أن قدسية يوم الهدنة كانت مهدّدة، حيث أدّى هذا التصريح إلى تجمّع مئات من بلطجية اليمين المتطرّف في وايتهول “لحماية” النصب التذكاري من مسيرة مؤيدة لفلسطين كانت في جزء آخر من المدينة.
شجّعت هذه التصريحات، النائب السابق لرئيس حزب المحافظين لي أندرسون، على الادعاء بأن “الإسلاميين” “سيطروا” على صادق خان، عمدة لندن. وفي وقت لاحق، وصف رئيس الوزراء تصريحات أندرسون بأنها “خاطئة” لكنه تجنّب وصفها بأنها معادية “للإسلام”.
يرى الناشطون أن التعريف الجديد لـ”التطرّف” سيعني فعلياً إجبار السلطات العامة على قطع علاقاتها مع دائرة متزايدة من الجماعات المؤيّدة لفلسطين، حتى إن ثلاثة وزراء داخلية سابقين من حزب المحافظين قالوا مؤخراً: إن تسييس التطرّف قد ذهب إلى أبعد من اللازم.
بطبيعة الحال، لابدّ من التذكير بأن إعادة تسمية حكومة المملكة المتحدة للأصوات المؤيّدة لفلسطين والمتظاهرين السلميين على أنهم متطرّفون ليست ظاهرة جديدة، فعلى مدى سنوات عديدة، تم استهداف الأشخاص الذين يدعمون فلسطين جهاراً بموجب برنامج “منع”، وهو برنامج يمنع الأفراد من أن يصبحوا إرهابيين أو داعمين للإرهاب حسب زعم حكومة المملكة المتحدة.
الآن قبل الانتخابات العامة، تقول الأكاديمية المتخصّصة في القضايا المتعلقة بالهوية والعرق والمسلمين البريطانيين فاطمة راجينا: تم استحضار الاستعارات المعادية للإسلام منذ فترة طويلة من أجل كسب الأصوات وصرف الانتباه عن إخفاقات الحكومة، مضيفة: إن ما يحدث يثير الخوف، لأن هذا هو ما تم القيام به على مدى السنوات العشرين الماضية، فخطاب الحرب على الإرهاب “يعني أن السياسيين يعتمدون على استعاراتٍ راسخة ومعادية”، مضيفة: يتعلق الأمر بإذكاء الخوف للابتعاد عن حقيقة أن المملكة تمرّ بأزمة معيشة حادة، ومن الواضح أيضاً أن وصف حكومة المملكة المتحدة للناشطين والمتظاهرين بأنهم “متطرّفون” لم يقتصر على المسلمين والأصوات المؤيّدة لفلسطين، فعندما اكتسحت احتجاجات “حياة السود مهمّة” المملكة المتحدة في عام 2020 بعد مقتل جورج فلويد، ادّعى رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون بالمثل أن الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في المملكة المتحدة “اختطفها متطرّفون عازمون على العنف”.