“اغمض عينيك”.. التّوحّد درامياً
ملده شويكاني
يشدّ الطفل زيد البيروتي انتباه المشاهدين بأدائه اللافت لـ”جود” الطفل المصاب باضطراب “طيف التوحد”، في المسلسل الاجتماعي المعاصر “اغمض عينيك” الذي يعرض ضمن موسم دراما 2024، إخراج وإنتاج المخرج مؤمن الملا الذي أخرج العديد من أعمال البيئة الشامية، وأول مرة يتصدى لعمل اجتماعي يتطرق إلى هذا المرض الذي يصيب الأطفال في سن مبكرة نتيجة خلل بالدماغ يؤدي إلى تأخر الحركة والتفكير وقلة التواصل مع المحيط، بالإضافة إلى نوبات الغضب التي تصيب الطفل.
وتوافرت في العمل كل مقومات النجاح، إذ اتسم العمل بالوحدة الموضوعية المتكاملة للفكرة الأساسية مرض جود ضمن البيئة المحيطة به، وتشابك هذا المحور الدرامي مع خطوط وشخصيات ثانوية بعيداً عن الاكتظاظ بالأحداث والشخوص الذي تُبنى عليه بقية الأعمال الاجتماعية.
منى واصف الجدة المقموعة
كما تميز العمل بحضور السنديانة الدمشقية السيدة منى واصف التي أدت دور الجدة “سعاد ـ أم رجا”، فبعد أن اعتاد الجمهور على شخصيتها القوية في “أم جبل” لسنوات عدة في الهيبة، وعلى تفردها بالقرار في “أم ياقوت” في مسلسل وأخيراً، هي الآن جدة مقموعة مضطهدة لا تستطيع أن تخالف أوامر زوجها ” أبو رجا ـ فايز قزق” الذي يمنعها من تربية حفيدها “جود” بعد أن اتهمت والدته “حياة- أمل عرفة” بتجارة وتصنيع المخدرات من دون أن تدري نتيجة استغلال موقعها أمين مستودع في شركة أدوية، وفي لحظة تتغير حياتها وتواجه مصيرها بعد أن تترك جود عند صديقها “مؤنس”.
ثنائية مؤنس وجود
تدخل بالعمل شخصية “مؤنس” الرجل الكبير بالسنّ، وهذا تطلب من عبد المنعم عمايري الكثير من الجهد بأداء دور أكبر منه سناً بضرورة تغيير حركته وطريقته بالكلام، وتنم شخصيته عن نوازع خير وإنسانية لم تتوافر في أقرب الناس إلى “جود”، فيمضي السياق الدرامي بالصراع الذي تعيشه الجدة بحبها لحفيدها ورفض زوجها وخوفها من تهديده لها بالطلاق ومغادرة المنزل.
ينجح العمل بإظهار العلاقة القوية التي تنشأ بين “مؤنس” و”جود”، وتركز الكاميرا على صعوبة التعامل مع الطفل المصاب بطيف التوحد وكيفية استيعابه وتهدئته ما يتطلب مرونة كبيرة من “مؤنس”، بدا هذا في مشاهد عدة فجأة يتغير فيها سلوك الطفل ولا يستجيب لأحد، مثل المشهد الذي صعد فيه على سلالم الجادات مع “مؤنس” ليصلا إلى منزل الجد “أبو رجا” الذي يرفض تربية الطفل على الرغم من محاولات الجدة بإقناعه، فيثور ويصعد بقية السلالم ويرفض العودة مع “مؤنس” حتى يتمكن من تهدئته.
وفي مشهد آخر في منزل “مؤنس” يصاب “جود” الذي يعاني فقد أمه بنوبة غضب ولا يهدأ إلا باللعب بالماء مع “مؤنس” في البحرة التي تتوسط حديقة المنزل.
المراكز التأهيلية
كما تركز الكاميرا على تفاصيل التعامل مع الطفل المصاب الذي يتوتر فينعكس ذلك على نظرات عينيه وحركات يديه بالسلوكيات اليومية، ويتطرق إلى دور المراكز التأهيلية والتدريبية في التخفيف من حدة الأعراض على الطفل والتعاون مع الأهالي للعمل على اندماج طفل التوحد بالمجتمع.
وضمن هذه الفكرة تتشابك الخطوط الدرامية الفرعية التي دار بعضها حول المسرح والفن التشكيلي من خلال شخصيات ثانوية كان لها دور بالسياق الدرامي عامة.
تغيير الزمن الفعلي
الفاصل بالعمل هو تغيير الزمن الفعلي، إذ تتابع الأحداث بعد سنوات حينما يصبح “جود” شاباً ويرتبط بعلاقة قوية مع “مؤنس”، ومن زاوية أخرى يحمل في الحلقات القادمة الكثير من التصاعد بتغيير المسار الدرامي للشخصيات وخاصة شخصية الجدة، ويحمل العديد من المفاجآت والرسائل الموجهة للمجتمع في ظل نوازع الشر الموجودة بنسب متفاوتة.
ولم يقتصر تميز العمل على صعيد الفكرة تأليف أحمد الملا ولؤي النوري وسيناريو فادي المنفي والأداء والإخراج فقط، إذ تميز بتضافر العناصر والمؤثرات الفنية وخاصة الموسيقا التصويرية للموسيقار الرائع طاهر مامللي ولكلمات الشارة للشاعر بحر لاواديسا وللمقاطع الغنائية المرافقة لبعض المشاهد.
كما ستتشابك خطوط الشخصيات الثانوية مثل شخصية “سلام ـ حلا رجب” صديقة حياة التي تعاني حالة نفسية تعيشها والدتها.