سليمان السلمان: الشاعر محارب على جبهة القول والتعبير
أمينة عباس
“أيها الشعراء، اصدقوا مع أرواحكم، فالعالم اليوم ثقيل على قلوب البشر المظلومين، ولكي لا يضيع الفرح والجمال افتحوا أبواب الكلام نحو الشمس والمطر لتصل روح الحياة شعراً إنسانياً لكل البشر”.. بهذه الكلمات توجه الشاعر سليمان السلمان للشعراء في حوارنا معه بمناسبة اليوم العالمي للشعر الذي يصادف اليوم.
تحتفل اليونسكو سنوياً باليوم العالمي للشعر.. كيف ترى حاله اليوم؟
الشعر واحد من وسائل التعبير الفكريّة والروحيّة والتواصل بين البشر، لهذا أخذ أهميته ونال قيمته ويحتفل البشر به.. حاله اليوم مثل حال الدنيا، تلوح لنا في فوضاها وعدم اتّساقها مع الواقع الإنساني المتألم وغير المتناسق مع الحياة الحقيقيّة في فوضى السياسة العالميّة.
هل صحيح أن قصيدة النثر تنذر بسوء حاله؟
قصيدة النثر مولود غريب عن جنس الشعر، فهي نثر فني يتطابق مع سطوره الموزعة كما كان دائماً، أما أن نمزّق نسيجها لنصنع منها عباءة عجيبة القياسات ونتماثل في قراءتها على المنابر فلتقصير قائليها عادة في إتقان العروض والفشل في السباحة في محور الأوزان المتألقة، وأنا لستُ عدواً للقصيدة النثريّة، فهي كما وجب أن يكون النثر علينا وضعها في فنون النثر، ولا خلاف على جماليّات المضمون فيها، فهناك نثريات ترقى أدبياً كما نرى عند جبران خليل جبران ومي زيادة وسواهما، أما أن يصبح النثر مكان الشعر ويأخذ قوته وهي تعرج بلا موسيقا فمسألة لا تروق لي ولا أراها شعراً بل خواطر نثريّة.
ما أخطر ما نتج عن تنظيرات الحداثة الشعرية؟
أخطر ما نتج عن تنظيرات الحداثة الشعريّة حالات عديدة أغلقت أبواب النجوم على تأويلات ومقامات تتطاول في رؤية حقائق الوجود والحياة فتهرب من منعطفاتها وتأتيك بما لا يفهم من القول أو يظلم في مقام التهويم الذي لا يجدّد رؤى الأفكار في خيال مجنح بل يعتم في مجالات عدميّة قد لا نصل بها إلى الغايات وهو ما يغلق التجديد على ما لا يبصره القلب والعقل والخيال.
تنتمي شعرياً إلى جيل السبعينيات.. حدّثنا عن خصوصية هذه الفترة.
الأحداث والواقع أمران متّصلان، وفوقهما المفاهيم المؤثرة في مسيرة الحياة الإنسانيّة للفرد والمجتمع، والشعر في كل الأحوال صورة للواقع، لذلك كان في فترة السبعينيات صورة لما حولنا، وهو جزء من المؤثرات من منظور خاص يتطابق والمفهوم الفلسفي للظلم الاجتماعي وأسباب الصراع الطبقي لنصرة المظلومين في كل مكان والخلاص من ظالميهم.
تقول: “إن لم يفهم الفقير ما أقول لا شك أني شاعر مقتول”!!
قلتُ وأؤكد صحة هذا القول، فنحن أبناء الواقع في كل أشكاله، والإنسان في فوارق الحياة الإنسانيّة والاقتصاديّة والطبقيّة غير مفصول عن ذلك، فلا مهرب من السياسة وهي تعبير عن رؤية كل فئة ومستواها المعاشي وطرق كسب العيش، وهذا الالتحام بالواقع والجماهير وصور حياتها، وهذا ما أراه لأن الالتحام بالناس والدفاع عنهم يجعلني في صف المظلومين الذين أكتب لهم، فأمثالي يعرفون البوصلة للسير على طريق الصواب والبطولة، ومن على طريقي من الشعراء قلة، حتى في العالم.
ما الذي دفعك إلى قول: “الشعر من دون السياسة خائب ومتعثّر الخطوات مهذار”؟
لأن ما نعيشه ونراه وما يحوم حولنا من مصائب أمتنا خبزنا اليومي سياسي، فلا مهرب إذن، ونحن فيها ومنها ولها نسير في سبيل الحياة وتجديدها وإبداع مستقبل أفضل.
ما الذي جعل القصيدة تفقد مكانتها وتأثيرها على الجماهير اليوم؟
أنا لا أنفصل عن واقع نعيشه، والقصيدة أحياناً بيان سياسي وفكري متخيّل، وما تزال في كثير من الأحيان هكذا في كثير من الأغراض الشعريّة ذات العلاقة الجماهيريّة، ومن أهم ما أفقد القصيدة هذا الدور هو تغير وتعقيد وسائل التواصل والميل في الأفكار نحو العدمية ووسائل التربية المتغيرة مع التأثير الضلالي للمجتمع الرأسمالي في تأثيراته العالميّة وضياعه في ضبابية الإعلام العالمي ومسببات اليأس في الطرق الإنسانيّة.
هل تتفق مع من يقول إن الشعر لا يكون إلا بقدر خيانته للمألوف والسائد؟
الشاعر الحق لا تسود عنده إلا رؤياه الصادقة مع نفسه ولا يخون معاناته، وهنا لا يرى المألوف متطابقاً معه، فيجتاز أفق الواقع إلى خلق واقع يراه فيقتفي الماضي على خط التطور إلى الأفق الأعلى دائماً من دون أن يضيع موطئ قدميه، فيحطم المألوف العفن ويقوّم البراعم العطرة.
هل مارست جنون الشعر؟ وفي أي ديوان؟
حين لا نمارس الجنون كشعراء سنبقى في قيود العقل، وأنا مقيد في جنوني بما تراه عيوني، وأرى أنّي حاولت ممارسة ذلك في ديواني “أعلم أنّي أحترق” وفي أغلب قصائدي المدافعة عن الفقراء وحقهم في السعادة.
هل تتفق مع من يقول إنه على قدر معاناة الشاعر تولد قصائده؟
نعم، وأنا مؤمن بقول “ألفريد دي موسيه” الشاعر الفرنسي: “الشعر بلا ألم لا يمكن أن يكون منبعه الجمال الذي يطل من محرق النفس، فاشتعالها يضيء الشعر”.
ما الذي دعا الشاعر سليمان العيسى للقول: “سليمان السلمان شاعرٌ أرى فيه شبابي”؟
هذه المقولة من الشاعر الكبير سليمان العيسى أراها عودة فكريّة صحيحة رآها في شعري، وهي صورة لشعره من أيام اسكندرون لوائنا السليب التي تؤكد أن نضال الشاعر الحقيقي جزء من نضال أهله وشعبه.
متى يفقد الشاعر قدرته على التجدد والخصوبة؟
يفقد الشاعر قدرته على الخصوبة حين يقف عن القراءة والتفاعل مع الجديد في الحياة وينسى الواقع الذي هو فيه ويبتعد عن الجماهير، والشاعر الذي يقع في باب الأفكار لا يمكن أن يدخل خمائل الشعر، ويفقد صلته بالقارئ كما يفقد صلته بالحياة.
ماذا يعني أن تكون شاعراً في زمن الحرب؟
يعني أن تكون مقاتلاً، فالكلمة أخت البندقيّة، والشعر لسان وبيان له صوته، والشاعر محارب على جبهة القول والتعبير، ودوره كبير في وقوفه إلى جانب أهله، وبالنسبة إلي عبرتُ بقصائد كثيرة عن حال الوطن وعن قضية العرب الأولى فلسطين بقصائد كثيرة، وأعلم أن فوضى الحرب انعكست فأعطت كثيراً من فوضى الشعر.
ما هو النقد الذي كنت بحاجته وما تزال؟
النقد الذي يعالج مضمون التعبير لا قشور الأشكال، مع العلم أنني أؤمن بوحدة الشكل والمضمون، وللنقّاد أقول: انظروا إلى حقائق الرؤى المبدعة بصدق، فالنقد المحابي لا يصلح إلا للشعر المحابي.
ماذا تقول كشاعر في عيد الأم؟
أنت آذار، عيدك اليوم في شهر الزهور، أنت يا امرأة الخلق والحسن أجمل الدنيا، في مدى الأيام دوري نحو السعادة دوري، أنت يا طفلة الوجود.. للغنج أو لوعد السرو، كلنا ضمه الرحم الغالي، أتينا من بعد تسعة شهور.