الجامعة العربية في ذكرى تأسيسها.. هل التزم العرب بميثاقها؟
د.معن منيف سليمان
تمرّ اليوم الذكرى التاسعة والسبعون لتأسيس جامعة الدول العربية التي تأسّست في الثاني والعشرين من آذار عام ١٩٤٥، ولكن بعد بلوغها العقد الثامن لتأسيسها هل التزمت الجامعة العربية بميثاقها وقامت بالدور المنوط بها في تحقيق تطلعات الشارع العربي من المحيط إلى الخليج؟.
كانت فكرة تأسيس إطار للعمل العربي الموحّد فكرة عربية صرفة تهدف إلى تحقيق تطلعات وآمال الشعب العربي بالوحدة العربية التي تتوفّر مقوّماتها في اللغة والتاريخ المشترك، وكانت الظروف الدولية والإقليميّة مناسبة لتأسيسها.
فقد حصلت معظم الدول العربية على استقلالها وباتت الحاجة ماسّة لإقامة نوع من التوازن بين القوى السياسيّة العربية والقيام بدور فاعل على الصعيد الدولي، بعد انشغال الدول الاستعمارية: فرنسا، وبريطانيا واضطرارها للاستجابة إلى رغبات وطموحات العرب القوميّة.
وهكذا تمّ توقيع ميثاق الاسكندرية من الدول العربية المشاركة عام ١٩٤٤ ليعدّ أوّل وثيقة رسميّة تخصّ الجامعة العربية وأقدم منظمة إقليمية تأسست بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد ذلك تمّ توقيع ميثاق جامعة الدول العربية، في الثاني والعشرين من آذار عام ١٩٤٥، وأصبح هذا اليوم ذكرى تأسيس جامعة الدول العربية السبع المستقلة التي وقعت على الميثاق وهي: سورية، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، واليمن، ومصر. وبعد ذلك انضمّت تباعاً باقي الدول العربية بعد نيلها الاستقلال.
وتتلخّص أهداف جامعة الدول العربية، حسب ميثاقها، بالسعي إلى تحقيق الوحدة العربية بين الدول العربية، وصيانة استقلالها، والمحافظة على السلام والأمن العربي، وتحقيق التعاون في شتّى المجالات، فضلاً عن التعاون مع الهيئات والمنظّمات الدولية، والاهتمام بشؤون ومصالح المجتمع العربي، كما تلتزم الدول العربية بالتنسيق حول الدفاع العسكري بعد توقيع اتفاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في ١٣ نيسان عام ١٩٥٠.
وبعد مضيّ تسعة وسبعين عاماً على تأسيسها يتوقف المتابعون على حقيقة مفادها أنّ الخلافات داخل الأسرة العربية كانت علامة فارقة في مسيرة تاريخ الجامعة العربية، ما وضع حدّاً لصلاحياتها كمؤسّسة يمكن بمقدورها أن تلتزم بميثاقها وتقود العرب نحو هدفهم المنشود في الوحدة.
فقد شهدت المنطقة العربية أحداثاً متعاقبة تباينت فيها وجهات النظر والمواقف لدى القادة العرب لتصل في بعض الأحيان إلى قطع العلاقات الدبلوماسيّة، ما أسقط أهم فقرة في ميثاق الجامعة ألا وهي الوحدة بين الدول العربية.
وتعدّ القضيّة الفلسطينيّة أهم قضية واجهت الجامعة العربية منذ تأسيسها، وقد عجزت الجامعة إلى هذا اليوم عن اتخاذ خطوات عملية لوقف العدوان الإسرائيلي على فلسطين، ولم تستطع أن توقف الاستيطان والتهجير والتهويد وتحول دون وقوع عمليات القتل والإبادة الجماعيّة التي يتعرّض لها الشعب العربي الفلسطيني حيث وقفت عاجزة تماماً عن وقف المجزرة التي ينفّذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزّة اليوم.
وكانت من قبل قد أخفقت في دفع الغزو الأمريكي عن العراق عام ٢٠٠٣، ولم تستطع حماية الشعب العربي في العراق الذي فقد مئات الآلاف من الضحايا، كما أخفقت في منع تدمير ليبيا، بل إنّها وافقت على قصفها من “الناتو” وتدمير جيشها وقتل شعبها عام ٢٠١١، مثلما وقفت عاجزة عن وقف العدوان على اليمن حتى هذا اليوم.
ولم تستطع الجامعة العربية أن تقدّم أيّ دعم للدول العربية التي تواجه الإرهاب التكفيري كسورية والعراق، كما لم تتمكّن جامعة الدول العربية من إيجاد حلول لقضية الخلاف بين بعض الدول العربية مثل المغرب والجزائر منذ ستينيات القرن الماضي، وكذلك الخلاف الذي كان قائماً بين العراق والكويت قبل الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣.
ويأتي انخفاض التمثيل الرسمي للقادة العرب، أو حتى مقاطعة بعضهم وامتناعهم عن حضور القمم العربية السنوية دلالة على عمق الخلافات ما ينعكس سلباً على الأوضاع المالية للجامعة وتفاقم أزمتها المالية.
شواهد كثيرة على عجز الجامعة العربية عن القيام بدورها، ما فرض على عملها قدراً كبيراً من الجمود والشكليّة والترهّل، حتّى أصبحت بحاجة إلى تغيير جذري في بنيتها وهيكليتها، لكي تتمكّن من تجاوز التحديّات والعقبات وتنهض إلى مستوى عالٍ من الفاعليّة بما يتناسب مع طموح الشعب العربي في الوحدة والتقدّم.