صحيفة البعثمحليات

المعونة والمساعدة.. والهوية المعيشية!؟

بشير فرزان 

رغم التحديات التي فرضتها سنوات الحرب والحصار الاقتصادي الخانق، إلا أنه “لم تنقطع سبل العيش بعد”، وهي المقولة التي يردّدها الناس في كل مكان، ويتمسّكون بمضمونها ويحاولون إرساء كلماتها في أرض الواقع وداخل يومياتهم، ويحاولون إقصاء التشاؤم بوسائل وطرق مختلفة، وفي مقدمتها تفعيل الحالة المجتمعية المتماسكة، والتي يزداد حراكها لتخفّف من الأعباء وتحدّ من تداعيات الواقع، فالحاضنة الاجتماعية المتكافلة والمتضامنة داخل المجتمع والمبادرات الخيرية تؤمّن بعض الاحتياجات المعيشية التي تساهم، إلى حدّ معيّن، في سدّ الثغرات وردم الهوة بين الدخل المتواضع للكثير من العائلات وواقع الحياة الفعلي.

ورغم بساطة ما يُقدّم، ولكنه بحساب النتائج كافٍ لتجنّب العوز والحاجة وتحقيق “السترة” التي كانت هدفاً مشتركاً بين الناس الذين يعتنقون فكرة “إذا كان جارك بخير فأنت بخير”. وهنا لا بدّ من الإشادة بالمبادرات الرمضانية بمختلف أنواعها وأشكالها من الأسواق الخيرية إلى المطابخ الخيرية والموائد الرمضانية وكل ما يندرج تحت مسمّى العمل الخيري.
ومن الضروري العمل على استثمار الحالة الإيجابية التعاضدية التي نعتقد أنها تمثل الصورة الحيّة للمجتمع من خلال إيجاد علاقة تعاونية صحيحة بين جميع المبادرات، وخاصة في هذه الأيام المجروحة بالفقر، وبشكل يؤدي إلى إيقاف النزيف الخيري المستمر الذي تسبّبه الاتكالية المفرطة على المؤسسات الخيرية التي تزداد مسؤولياتها نتيجة للحالة الانشطارية المتواصلة داخل المجتمع، وتحديداً لجهة زيادة عدد المحتاجين، وغياب المعايير الواقعية للفئة الأشدّ حاجة، فالطوابير الطويلة “المتسمرة” أمام مقار الجمعيات الخيرية، والتي كنا نراها سابقاً أمام مراكز الهلال الأحمر، تدين الفقر وتشوّه الحقيقة، وخاصة عند التدقيق في الهوية الاقتصادية المعيشية للحاصلين على المعونة والمساعدات المختلفة أو السلة الغذائية بغير وجه حق. والمقصود هنا أولئك المتخفين بزي الفقر والحاجة، والذين باتوا، بمساعدة بعض ضعاف النفوس، أكثر وقاحة وحضوراً على أبواب الهيئات الخيرية لسرقة حصص الفقراء الحقيقيين تحت عنوان “نازح” أو “متضرر” أو “محتاج”، وغيرها من التسميات، رغم امتلاكهم لكافة مقومات الحياة الجيدة.

ولا شكّ أن تراجع المستويات المعيشية وازدياد الأعداد الباحثة عن قشة الإنقاذ المعيشي يفرض نمطاً جديداً من التعامل وبشكل يضمن اتخاذ الكثير من الإجراءات التي تدعم التعاون والامتثال للأخلاق والقيم ضمن دائرة التكافل الاجتماعي. ولا شكّ أن الاستمرار بنهج الاتكال الكلي على إمكانيات المؤسسات المعنية والخيرية، وما تقدّمه للمواطن، هو خط قاتل للجهود المبذولة في مشروع الإنقاذ المعيشي. وفي المقابل، على أصحاب رؤوس الأموال المشاركة بقوة في عمليات الإنقاذ الحياتي، حيث يكون هناك عمل جماعي للخروج من أزمة الواقع المعيشي الحالي بأسلوب اقتصادي جديد ومتوازن وقائم على أسس اجتماعية عنوانها العريض الاحترام والتكافل الاجتماعي الذي نحن بأمسّ الحاجة له، من أجل العبور إلى المرحلة القادمة من بوابات التشبيك المجتمعي في جميع المجالات؟