“الصديقات”.. الفساد ومسؤولية المجتمع
ملده شويكاني
“ما كان بدي شي غير إني آكل”، هذا ما قالته بائعة اليانصيب “سلمى- ديمة الجندي” في مسلسل “الصديقات” أحد الأعمال الاجتماعية في دراما 2024، فهي كانت تبحث عن لقمة عيشها فقط، لكنها تعرّضت للاستغلال حتى وجدت نفسها في مكان ترفضه، ولم تكن تتوقع أن تصل إليه، وتقول: “فجأة صرت بنت ليل”.
هذا العمل الذي لا يفضح شيئاً من ملفات الفساد فقط، إنما يظهر مسؤولية المجتمع تجاه النساء الضعيفات المظلومات اللواتي ظلمتهن الحياة، وساعد الشر الموجود بالمجتمع على ظلمهن أكثر.
كاتب السيناريو أحمد السيد المسرحي الذي قدّم العديد من الأعمال الدرامية للإذاعة، بالإضافة إلى مشاركة جودت البيك، يركّز في هذا العمل على الأوضاع التي تعيشها الشخصية، بالتوازي مع إظهار خلفية الأحداث، بتوقيع المخرج محمد زهير رجب الذي قدم للدراما أهم أعمال البيئة الشامية والاجتماعية.
توظيف زمن الحلقة
ويحسب للعمل بعيداً عن مضمون الحكاية الاشتغال الدقيق على الإخراج وتوزيع الأحداث على مدار زمن الحلقة، كما أنه يفاجئ المشاهد بالحدث ويضعه إزاءه مباشرة من دون مقدمات، ليعتمد على الـ”فلاش باك” في الحلقات القادمة بعرض تسلسل وقوع الحدث، وعلى الرغم من اكتظاظ الشخوص والأحداث، لكنه تمكن من شدّ المشاهد والتأثير عليه من خلال توظيف كل دقيقة ضمن المسار الدرامي، حتى في التأملات الصامتة أو البوح الذاتي.
بطولة نسائية
وعلى الرغم من أن فكرة البطولة النسائية ليست جديدة في الدراما، وخلفيات الأحداث مكررة في الدراما المصرية والسورية، لكن رجب بحث عن خطوط رابطة بكل جزئياتها وتفاصيلها توصل إلى أفكار جديدة، مع خطّ فضح ملفات الفساد والانحلال الأخلاقي، إذ يُبنى العمل على بطولة خمس نساء، بدأن حياتهن من الملهى الليلي والرقص الشعبي بعد أن تفردت كل واحدة منهن بحكايتها، ليمرّ الزمن ونرى التغييرات الحياتية بعد خمسة وعشرين عاماً، بحثت كل واحدة منهن في هذا الزمن عن الأمان على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، لكن هل وجدته؟.
ديمة الجندي- سلمى- اتجهت إلى حضور جلسات الدين والعمل على مساعدة العائلات الفقيرة بعد أن تزوجت رجلاً مقتدراً ملتزماً، اشترط عليها أن تتخلى عن حياتها السابقة وصديقاتها وكل ذكرياتها.
هنادي -إمارات رزق- لم تطلب شيئاً غير السند ووافقت على الزواج السري من عادل أحد الرجال المتنفذين الذي يعمل لصالح معتصم -محمد حداقي- وفي الوقت ذاته متزوج من أخته ندى.
نظلي الرواس -ليال- التي بقيت بالملهى الليلي، لكنها لم تعد راقصة وإنما مالكة، إذ تزوجت رجلاً ثرياً وأقنعته أن يشتري لها الملهى، وتواجه تهديد ابنه بعد موته.
نجوى -صفاء سلطان- تكتفي بالاهتمام بجمالها وبحياة الرفاهية التي تعيشها بعد أن تزوجت تاجراً يعاني أزمات صحية، فتعيش حالة عاطفية مع شاب فقير يعاملها بعنف.
صفقات غير قانونية
أما سوزان نجم الدين -عبير- فتشغل بالعمل البطولة المطلقة لكونها الأخت الروحية للصديقات التي تحاول مساعدتهن في كل أزمة، وتتصف بوجوه عدة للشخصية، إذ انطلقت من فرقة للرقص الشعبي، فهي ابنة راقصة –صباح الجزائري- وكبرت في هذه الأجواء، وأصبحت تدير وتنفذ صفقات بطريقة غير قانونية من خلال علاقاتها الواسعة مع رجال متنفذين، مثل علاقتها مع رامز- جلال شموط- الذي طلبت منه رخصة لبيت مخالف الشروط في حيّ راق، وتمريرها شحنة بضائع من الجمارك، وغيرها، وفي الوقت ذاته تستغل الفتيات الصغيرات اللواتي يتدربن على الرقص لتمرير مصالحها، مثل نادين -روعة السعدي- الفتاة التي تربت بالميتم وتتدرّب على الرقص بالنادي الذي تديره “ليلى- رنا ريشة” بنت “عبير”، وفي الوقت ذاته تعاني عبير غدر رجل لم تستطع أن تتخلص منه “كامل- فايز قزق” بعدما تخلّى عنها وهي حامل ويعود ليطالب بابنته.
نقطة الصفر
التغييرات التي طرأت على الشخصيات أعادتهن إلى نقطة الصفر من جديد، فسلمى اكتشفت أن زوجها تزوج سراً من الداعية فتتعرّض لصدمة كبيرة قد تغير من اتجاهها.
وهنادي تعرّضت لمحاولة قتل من ندى بعد أن علمت بزواجها من عادل، كما اقتصت من عادل بأخذ كل ما يملك وطرده من العمل وحرمانه من أولاده بمساعدة أخيها معتصم، فتجد هنادي نفسها تعيد الكرة بزواج سري مرة ثانية.
وتمضي الأحداث بتصاعد، وستحمل الحلقات القادمة تغييرات لبقية الشخصيات خاصة لـ”عادل” الذي قتل “ندى” في لحظة انفعال وهي تمنعه من رؤية أولاده.
ومن جانب آخر، تطرق العمل إلى مسألة الاغتصاب والتغرير بالفتيات وإلى الميتم وإلى الحب غير المتكافئ، والإغراء بحياة كاذبة. كما يظهر من الشارة فإن العدالة ستأخذ مجراها ويدان “معتصم” و”عادل”، ويبقى الأداء اللافت لسوزان نجم الدين وهو الورقة الرابحة.